هل يتحمّل لبنان منسوب الكرامة في موقف المقاومة؟
ناصر قنديل
– في كل محطات مسيرتها، كانت المقاومة تحمل منسوباً من الكرامة الوطنية أعلى من قدرة المستوى السياسي اللبناني على التحمل. فعند انطلاقة المقاومة كانت أغلب المؤسسات السياسية والدستورية تتوزع بين ترويج الانضواء في حلف غربي عربي يضم «إسرائيل»، وترى المقاومة تخريباً على هذا المسعى، وبين منطق الضعف والعجز والعين التي لا تقاوم المخرز، وترى في المقاومة مشروع انتحار. وتلاقى المنهجان عند اتفاق 17 أيار، وترجم التلاقي في حجم التصويت النيابي لإبرامه. وعندما فاض ميزان القوى الذي أنتجته المقاومة عن قدرة أميركا و»إسرائيل» على الصمود وانهزمتا أمام المقاومة سقط الاتفاق بقوة الأمر الواقع على أيدي الذين أبرموه، لكنه لم يبدلوا تبديلاً، فبقوا حتى التحرير عام 2000 يشككون بجدوى المقاومة وقدرتها على إلحاق الهزيمة بالاحتلال. وعندما هزم تقدموا صفوف المهنئين، وهم يتساءلون ما هو مبرر بقاء السلاح بعد التحرير؟
– في حرب تموز 2006 اعترف الاحتلال بالهزيمة ولم يتقبل النصر أغلب المستوى السياسي اللبناني. وبعد الحرب تحوّل جزء كبير من هذا المستوى إلى مجرد صدى لدعوات اميركية اسرائيلية صار لها امتداد عربي، لنزع سلاح المقاومة، كما تحوّلوا بعد التحرير الى دعاة إنكار للبنانية مزارع شبعا المحتلة، واليوم أغلب الذين يبدون في الظاهر دعاة تمسك بالحقوق الوطنية في ثروات النفط والغاز يريحهم النقاش الذي يتيح تبادل كرات التنمّر الداخلي، كالحديث عن الخطين 23 و29، او توقيع مرسوم تعديل الخط المسجل لدى الأمم المتحدة، كأن الاحتلال سيقيم اعتباراً لهذا، وهو الذي لم يردعه عن البقاء لعقدين كاملين في الأراضي اللبناني المحتلة، والتي تعترف الأمم المتحدة بلبنانيتها وتطلب الانسحاب منها، وهو ما لن يحدث مثله على الإطلاق في ما يخص الحدود البحرية، حتى لو وافق الاحتلال على الخط 39 وليس 29 فقط، لأن لا شيء اسمه بعد الحدود البحرية المعترف بها دولياً، فسقف ما قد يحدث في حلم ليلة صيف هو تثبيت بالتراضي لاعتماد خط يسجل لدى الأمم المتحدة، ويبقى قابلاً لطلب التعديل من أي من الطرفين، الا اذا وقع اعتراف دبلوماسي بـ»إسرائيل» من جانب لبنان وتوافقا على الذهاب للتحكيم الدولي، الذي يطالب به بعض اللبنانيين من مدّعي الوطنية.
– عندما خرج الأمين العام لحزب الله السيد حسن نصرالله يشرح أولوية وقف الاستخراج من جانب الاحتلال على أي أمر آخر، ارتبكت الجبهة اللبنانية الداخلية أكثر من جبهة كيان الاحتلال الداخلية، فهرب نواب التغيير من التظاهرة التي دعوا إليها في الناقورة، وخرج أحد النواب العروبيين يتحدّث بلغة بيار الجميل في السبعينيات، عن مدى قدرة لبنان على تحمّل تبعات مواجهة، والحاجة لمستلزمات صمود، وبدلاً من أن تكون حالة لبنان الاقتصادية حافزاً للتمسك بهذه الثروة صارت حجة للتساؤل عن مدى القدرة على فعل ذلك، وعلى الجبهات الرئاسية فرك كفوف وارتباك وتعلق بأمل زيارة الوسيط الأميركي، الذي بدلاً من أن يواجه موقفاً حازماً برفض تلبية أية دعوة للتفاوض قبل إعلان واضح بوقف الاستخراج من كاريش ورفع الحظر عن حق لبنان ببدء الاستخراج من حقوله السيادية في المناطق غير المتنازع عليها، سيلقى وجوه البعض تنتظر منه مخرجاً يجنبها مخاطر مواجهة باتت شبه حتميّة ما لم يستوعب الأميركي والإسرائيلي رسالة المقاومة.
– بعض المستوى السياسي والرئاسي على قدر المسؤولية، لكنه لا يعبر عن نصاب لبناني كافٍ للقول إن لبنان بخير وطنياً، وتبقى الحقيقة المرّة تتكرّر، أن المقاومة تمثل منسوب كرامة أكبر من قدرة لبنان على التحمل.