أولى

المقاومة اللبنانيّة تحسم مسألة السيادة

 د. جمال زهران*

ما إن تمّت الانتخابات اللبنانيّة في الخامس عشر من مايو/ أيار الماضي، والتي انتصر فيها الشعب اللبنانيّ لنفسه وعلى نفسه، حيث استطاع أن يهزم كلّ القوى المعاديّة التي استهدفت إعاقة إنجاز هذا الاستحقاق، بل وضع الجميع أمام مسؤولياته، حتى فجّر العدو الصهيوني واقعة العدوان على حدود السيادة اللبنانية والدخول بمركب داخل المنطقة البحرية المتنازع عليها، المعروفة بالنقطة (29)، أو محيط حقل (كاريش) لاستقرار لبنان إلى أزمة جديدة، قد تخلق صراعاً لبنانياً/ لبنانياً، وبدون غطاء عربي، بعد أن غزا هذا العدو دولاً ونظماً حاكمة عربيّة، بورقة التطبيع، حسب تقديراته. وينطلق هذا العدو الصهيوني من حسابات أنه القادر ـ بغطاء ودعم أميركي بلا حدود أو سقف، على خلق الأمر الواقع وفرضه على الخصوم، إلا أنه لم يتعلم قط، من كلّ تجاربه مع الشعب اللبناني المقاوم. ولعله نسي واقعة تحرير لبنان والجنوب في 25 مايو/ أيار 2000، ونسى واقعة تموز 2006، وكلاهما انتصرت فيها المقاومة اللبنانية، وأعطت درساً قاسياً ـ لا يجب أن ينساه هذا العدو الصهيوني ـ لهذا العدو، الذي كان يجرّ أذيال الهزيمة بوجه مكشوف، وخجل بلا حدود!

إنه هو ذاك العدو الصهيوني، وكلّ المستعمرين الذين لا يحترمون ولا ينحنون إلا أمام القوة، والقوة فحسب!

فماذا يريد العدو الصهيوني من الدولة اللبنانية، بخلق واقعة الاعتداء على أراضٍ متنازع عليها، وهي في حوزة السيادة اللبنانية؟ الأرجح في إجابة هذا السؤال، هو أنه يريد الحفاظ على حالة الانقسام داخل صفوف الشعب اللبناني ونخبه القيادية، بحيث إنه يحول دون توحّد هذا الشعب، والذي يصبح متفرّقاً بين فريق المقاومة، وفريق الخنوع والانبطاح، تجنّباً لمعركة لا يعرف مدى آثارها على مجتمع يعاني من الأزمات والمشاكل!

إلا أنّ هذا العدو الصهيونيّ، فقد القدرة على الحسابات الاستراتيجية، حيث إنّ المقاومة قادرة على حشد هذا الشعب اللبناني حول هدف استراتيجي واحد، وهو مواجهة العدو، حماية للسيادة والأمن القومي، وهو الأمر الذي حدث بالفعل، في خطاب السيد حسن نصر الله، مساء الخميس التاسع من يونيو/ حزيران 2022. حيث قال:

«لبنان دخل في مرحلة جديدة وأصبح أمام استحقاق مهمّ، وداهم، بعد وصول السفينة اليونانية، التي مهمتها ليس التنقيب، بل الاستخراج والإنتاج.

السفينة تموضعت على مقربة من حقل كاريش الواقع على خط الـ (29)، أي في المنطقة المتنازع عليها بين لبنان والكيان الغاصب.

العدو الصهيونيّ، يقول للبنانيين والعالم إنه خلال فترة وجيزة سيباشر باستخراج الغاز وإنّ هذا حقه الطبيعي ولا نقاش أو جدال حوله.

نحن أمام مستجدّ جديد ومرحلة جديدة خلاصتها أنّ ما جرى في الأيام الماضية هو اعتداء على لبنان واستفزاز وتجاوز ووضع لبنان أمام موقف صعب يجب أن يختار خياره بشكل نهائي وواضح.

أصبحنا جميعاً أمام موضوع يجب أن يتحوّل إلى قضية وطنية كبرى في ما يتعلق بالحدود البحرية والثروة الموجودة في المياه، يجب أن تتحوّل إلى قضية وطنية مسلمة ومحسومة عند كلّ لبناني يعتبر نفسه ينتمي إلى هذا الوطن».

«نحن أمامنا ثروة هائلة وهي «الكنز الموجود»، وقيمتها أنها الأمل الوحيد لمعالجة الأزمات والأمل المتبقي لإنقاذ لبنان وهي ملك لكل لبناني».

«علينا حماية هذه الثروة واستخراجها والاستفادة القصوى منها بعد استخراجها».. «فثروات لبنان من النفط والغاز تواجه مجموعة من المخاطر، منها السعي الصهيوني والأميركي، لسلخ مساحة كبيرة جداً وما تحويه من حقول وثروات، ومنها أيضاً: منع لبنان من استخراج نفطه وغازه، وهذه مشكلة يجب على اللبنانيين التفكير في حلّ لها..»

أيّ أنّ رؤية السيد نصر الله، تتركز في أن قضية حقول البترول والغاز، داخل حدود لبنان، هي قضية كلّ اللبنانيين، وليست قضية منازعة بين أطراف الداخل، ومن ثم فهي قضية وطنية، تعني كلّ الوطنيين في لبنان، حيث إنّ لبنان يواجه تحدياً خطيراً، وهو حرمانه من ممارسة حقوقه على سيادته، ومنعه من استخراج واستثمار ثرواته، بل التعدّي على أراضيه وحقول نفطه واغتصابها لصالح الكيان الصهيوني بدعم أميركي. ومن ثم فإنّ الأمر يستحقّ الدفاع والمواجهة دون تأخر أو انتظار. فالسيد نصر الله كان يتكلم عن القضية باعتبارها قضية كلّ لبناني، وليست قضية المقاومة فحسب، بل هي قضية الشعب كله، لأنّ الثروات في هذه المنطقة، هي ملك لكلّ الشعب اللبناني، وهي الأمل «الوحيد» لخروج الشعب من أزماته الحالية.

والسؤال، بعد هذا الإيضاح باعتبار أنّ القضية وطنية، وتهمّ الجميع، فماذا عن رؤيته للمواجهة مع العدوان الصهيوني على السيادة اللبنانية؟
فيمكن بلورة ذلك، من خلال كلماته المباشرة، وهي:

«إعلان حالة الاستنفار السياسي وغير السياسي لمواجهة استحقاق حفظ حقوق لبنان في البحر، معتبراً: أنّ المهمة توازي مهمة تحرير الأرض، ومهدّداً: العدو الصهيوني والمتعاونين معه من شركات أجنبية من مخاطر تجاوز حقوق لبنان أو الاعتداء عليها». ودعا العدو الصهيوني إلى التوقف الفوري من خلال السفينة اليونانية، عن أي نشاط في المنطقة، ودعا الشركة اليونانية إلى الانسحاب، وتثبيت حق لبنان في التنقيب». وفي الوقت الذي دعا إليه القوى اللبنانية كافة وخصوصاً الدولة، إلى تحمّل المسؤولية وتجاوز الخلافات والاتفاق على إطار موحّد، في الوقت نفسه يؤكد على أنّ المقاومة ستكون بكلّ ما تملك من قدرات إلى جانب هذا الموقف»، وقال: «يجب منع العدو من بدء الاستخراج من حقل «كاريش».. والهدف يجب أن يكون وقف هذا العمل».

«ماذا يملك لبنان في هذه المواجهة؟ أولاً: يملك الحق، وثانياً: يملك الدافع، وثالثاً: يملك القوة تحت عنوان الجيش، وتحت عنوان «المقاومة».

«المقاومة تملك القدرة لمنع العدو من الاستخراج.. ونلتزم أمام الشعب اللبناني أن المقاومة قادرة عسكرياً ومادياً لمنع العدو من استخراج النفط من حقل كاريش المتنازع عليه».

وختم بالقول: إنّ المقاومة تملك القدرة العسكرية والمالية والأمنية والمعلوماتية واللوجستية والعديد، لمنع العدو عن استخراج النفط والغاز من حقل «كاريش».. مقاومتنا ضمانة ثروتنا».

ويتضح إذن أنّ المقاومة هدّدت وتهدّد العدو الصهيوني، بوقف الأعمال سلماً، وإن لم يكن فبكلّ ما تملكه المقاومة من قدرات ضدّ العدو الصهيوني، وللحديث بقية…

ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

*أستاذ العلوم السياسية والعلاقات الدولية، والأمين العام المساعد للتجمع العالمي لدعم خيار المقاومة.

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى