عكا والضحكة المالحة
} حمزة البشتاوي
هنا لا يشيخ الوقت، والحنين يزداد إلى عكا المدينة والبحر والسور والقلعة والميناء وبرج الساعة والطرقات والأحياء القديمة التي تسكن في قلب أهالي عكا ويرونها أجمل من كلّ الذكريات والأحلام، ولا تفارقهم صورتها الجميلة في الغربة والمخيم المزدحم بالضجيج والأسئلة المخيفة عن متى وماذا ولماذا طال البعد عن عكا، وكيف تمكّن الغزاة والطغاة من إخراجنا منها إلى منافي القهر والعذاب.
هي أسئلة شاخصة وحكاية مستمرة وذكريات تشبه خلطة سحرية يمكنها أن تخفف من قسوة طريق العودة القريبة إلى عكا، كما كانت تقول عمتي أم جميل: «إذا الله أعطانا عمراً سنعود أو تعودون أنتم بالسيارة من بيروت إلى عكا عبر الطريق الساحلي الذي كان يأتي منه الناس إلى عكا، وأهالي عكا لم يستخدموا هذا الطريق قبل النكبة تجنّباً للغربة عن عكا التي تتميّز بضحكتين واحدة حلوة داخل السور وواحدة مالحة خارجه، وقد عرف العكاوي بقسَمه (وحياة غربتي) إنْ خطا خطوة خارج السور،
ولكننا، تتابع عمتي: وبسبب النكبة خرجنا من عكا بسيارة ضخمة بطيئة كسلحفاة حمتنا من الرصاص الذي اخترق بعضه خاصرتي وقدمي اليسرى، وسلكنا الطريق الساحلي من عكا إلى بيروت مضرجين بالدماء، على أن نعود بعد أسبوع كما قال لنا جيش الإنقاذ.
وفي الغربة البعيدة عن عكا وأسوارها رحلت عمتي ولم ترحل الفكرة منتظرين اليوم الذي سنسلك فيه ذات الطريق من بيروت إلى عكا، والذاكرة مليئة بعلامات الطريق من أشجار وسبل ماء وبوابات المدن والقرى والحدائق والبيارات مستقلين سيارة الثورة وطريقها المستقيم لنعود إلى عكا كي تعود إلينا الروح والهوية وفرحة الأناشيد.