موقف أميركيّ مفاجئ حول العودة للاتفاق النوويّ مع إيران… والرياض لحوار مباشر مع الأنصار / هوكشتاين تسلّم وديعة لبنانيّة شفهيّة حول الترسيم… والأولويّة لوقف الاستخراج / ارتباك «إسرائيليّ» بين مخاطر التراجع والتصعيد… وضع حكوميّ هشّ وتداعيات إقليمية /
كتب المحرّر السياسيّ
الأكيد أن موقف الأمين العام لحزب الله السيد حسن نصرالله وفق معادلة، على السفينة الرحيل فوراً وعلى «إسرائيل» أن توقف الاستخراج من بحر عكا، هو المستجدّ الوحيد الذي أطلق ديناميكيات جديدة في معادلات النفط والغاز والتفاوض حول الترسيم الحدودي للبنان والوساطة الأميركيّة، ومن خلالها حول قوة كيان الاحتلال ومزاعم قدرته على شن حرب والانتصار فيها، وما سيترتب على الاختبار النفطي لهذه المزاعم من تداعيات في الإقليم، خصوصاً على التصعيد الإسرائيلي بوجه إيران الذي يوحي بالقدرة على شنّ حرب، لدعوة الأميركيّ لتجميد مساره النووي نحو توقيع العودة للاتفاق. هذا هو الاستنتاج الذي صاغه مصدر دبلوماسيّ متابع للموقف المفاجئ الذي صدر عن الخارجية الأميركية حول الاستعداد للعودة المتبادلة مع إيران للالتزام بالاتفاق النووي، والإشارة الى ان إيران ستمتلك مقدرات إنتاج قنبلة نووية في غضون اسابيع، حيث يربط المصدر بين ما سمعه في بيروت، الوسيط الأميركي عاموس هوكشتاين الذي يشغل منصب كبير مستشاري الرئيس الأميركي جو بايدن لشؤون الطاقة، من مؤشرات قوة تستند الى معادلة السيد نصرالله، وما يصل تباعاً الى واشنطن من معلومات ومعطيات حول الارتباك الإسرائيلي الناجم عن هشاشة الوضع الحكومي بعد فقدان الأغلبية في الكنيست واستعداد بنيامين نتنياهو للدفع باتجاه انتخابات مبكرة، في ظل مخاوف إسرائيلية من أن يكون التراجع في ملف استخراج النفط والغاز القشة التي تقصم ظهر البعير
ويستغلّها نتنياهو للهجوم الحاسم على حكومة نفتالي بينيت، بينما يمكن للتعنت أن يفرض على جيش الاحتلال منازلة ترسم معادلات جديدة في المنطقة ليست في صالح الكيان، في ضوء المعادلات الحقيقية للقوة، بعيداً عن الخطابات الإعلامية الهادفة لشد العصب ورفع المعنويات.
بالتوازي ستتم مراقبة ما سيترتب على الكلام الأميركي المفاجئ من جهة، وبدء المحادثات السعودية المباشرة مع أنصار الله، كمؤشرات لتغليب لغة الانخراط مع محور المقاومة على حساب لغة التصعيد التي يدعو إليها قادة الكيان، بتعميم مزاعم التفوق والقدرة على خوض حرب وتحقيق نصر حاسم فيها، كما ستتم متابعة ما سيقوم به الوسيط الأميركيّ في حواراته مع قادة الكيان في ضوء ما سمعه في بيروت، سواء لجهة الوديعة الشفهيّة حول الخط 23 مضافاً إليه حقل قانا أو لجهة أولوية وقف الاستخراج من بحر عكا حتى نهاية المفاوضات، وهوكشتاين لم يخف أنه بلور بعض الأفكار لكنه قرر تشاركها مع قادة الكيان قبل أن يعرضها على لبنان. ويبقى السؤال هل يلتزم قادة الكيان بوقف الاستخراج حتى نهاية التفاوض، ما يعني ان يقبلوا المفاوضات وهم تحت ضغط عامل الوقت، فيما الأوروبيون مستعجلون لبدء ضخ الغاز الى شواطئهم قبل نهاية العام، بينما لبنان سيكون في وضعيّة التفوق بالعمل مع الوقت، الذي قال هوكشتاين إن الوقت لصالحه من حيث لا يدري عندما قال إن على لبنان أن يقارن ما سيحصل عليه بما لديه الآن وهو صفر، لكنه لم ينتبه أن من لديه صفر يلعب الوقت معه.
خلال الأيام المقبلة سيكون المؤشر بعودة هوكشتاين، الذي لم تنفع جوائز الترضية التي حملها للبنان في ملف الكهرباء ذات صدقيّة، لكونها تتكرر للمرة الثالثة دون نتائج عملية، كما أنها غير قابلة للمقايضة بملف الغاز والنفط، ولو أنها قد تشكل اشارات إيجابية اذا صدقت الوعود. إذا عاد هوكشتاين فهذا يعني ان قادة الكيان يخشون المواجهة من جهة، ولا يريدون قطع التفاوض من جهة مقابلة سعياً لحل، وفي حال كان الموقف الإسرائيلي متشبثاً بالاستخراج من جهة وبالخطوط المجحفة بحق لبنان من جهة موازية، والأرجح ان هوكشتاين يفضل السفر إلى واشنطن وعدم العودة، وإرسال الرسائل التي تقول إنه يدرس الوضع ويحضر أفكاراً خلاقة لتدوير الزوايا في قضية شديدة التعقيد، محاولاً دفع لبنان للاسترخاء لمنح الوقت لحكومة الكيان.
وملأت جولة المبعوث الأميركي لشؤون أمن الطاقة آموس هوكشتاين على المقار الرئاسية والمسؤولين اللبنانيين، الفراغ السياسيّ الذي سيطر على المشهد الداخلي بعد انتهاء مرحلة الانتخابات النيابية وتكوين الطاقم التشريعي للمجلس النيابي، في ظل تريث رئيس الجمهورية العماد ميشال عون بالدعوة للاستشارات النيابية الملزمة لتكليف رئيس لتشكيل الحكومة الجديدة. إلا أن المعلومات الأولية لجولة هوكشتاين، تؤكد أنه لم يقدم أي مقترحات جديدة للحل واكتفى بالاستماع الى المعنيين بالملف وإبداء التجاوب والاستعداد للسعي لحل النزاع، فضلاً عن تمسّك لبنان بموقف واحد أبلغه رئيس الجمهورية للمبعوث الأميركي يؤكد حقوق لبنان بالخط 23 وحقل قانا كاملاً، مع التلويح بوقف المفاوضات إن لم توقف «اسرائيل» الأعمال التحضيرية لاستخراج الغاز من «كاريش»، ولم يتم التطرق الى الخط 29 بشكل مباشر.
واستهلّ هوكشتاين نشاطه من اليرزة حيث التقى قائد الجيش العماد جوزيف عون الذي جدّد له موقف المؤسسة العسكرية الداعم لأي قرار تتّخذه السلطة السياسية في هذا الشأن، ومع أي خط تعتمده لما في ذلك من مصلحة للبنان، قبل أن ينتقل الى قصر بعبدا حيث استقبله رئيس الجمهورية.
وخلال اللقاء الذي حضرته السفيرة الاميركية دوروثي شيا، وعن الجانب اللبناني نائب رئيس مجلس النواب الياس بو صعب، الوزير السابق سليم جريصاتي، المدير العام لرئاسة الجمهورية الدكتور انطوان شقير، المدير العام للأمن العام اللواء عباس ابراهيم، شدد عون على «حقوق لبنان السيادية في المياه والثروات الطبيعية»، وقدّم لهوكشتاين رداً على المقترح الأميركي الذي سبق للوسيط الأميركي أن قدّمه قبل أشهر، على أن ينقل هوكشتاين الموقف اللبناني الى الجانب الاسرائيلي خلال الأيام القليلة المقبلة.
وتمنّى عون على هوكشتاين «العودة سريعاً الى لبنان ومعه الجواب من الجانب الاسرائيلي». وشكر هوكشتاين عون على الجواب اللبناني واعداً بـ»عرضه على الجانب الإسرائيلي في إطار الوساطة التي يقوم بها في المفاوضات غير المباشرة لترسيم الحدود البحرية الجنوبية».
ثم انتقل هوكشتاين إلى السراي الحكومي، حيث التقى رئيس حكومة تصريف الأعمال نجيب ميقاتي. وخلال الاجتماع تبلّغ الموفد الأميركي الموقف اللبناني الموحّد من مسألة ترسيم الحدود والحرص على استمرار الوساطة الأميركية. كما تمّ تأكيد أن مصلحة لبنان العليا تقتضي بدء عملية التنقيب عن النفط من دون التخلّي عن حق لبنان بثرواته كافة.
كما زار الوسيط الأميركي عين التينة والتقى رئيس مجلس النواب نبيه بري الذي قال بعد اللقاء: «إن اتفاق الإطار يبقى الأساس والآليّة الأصلح في التفاوض غير المباشر». واضاف: «ما تبلغه الوسيط الأميركي من رئيس الجمهورية في موضوع الحدود البحرية وحقوق لبنان باستثمار ثرواته النفطيّة هو متفق عليه من كافة اللبنانيين».
كما استقبل وزير الخارجية والمغتربين في حكومة تصريف الأعمال عبدالله بوحبيب الوسيط الاميركي، الذي غادر من دون الإدلاء بتصريح.
ونُقِل عن الوسيط الأميركي قوله إن لبنان يعاني من ظروف اقتصادية صعبة وما يعرض عليه يجب أن يقبله لإنقاذ اقتصاده.
ولفتت مصادر مطلعة على ملف الترسيم لـ«البناء» الى أن «زيارة هوكشتاين تختلف عن سابقاتها بتطور داهم وخطير تمثل باستقدام باخرة انرجين باور الى حقل كاريش للاستعداد لاستخراج الغاز، ما دفع بالمعنيين بترسيم الحدود للتواصل المكثف للتوصل الى الحد الأدنى من الاتفاق واستدعوا هوكشتاين للبحث في الملف والتحذير من خطورة هذه الخطوة التي قد تهدد الاستقرار».
وأشارت أوساط بعبدا لـ«البناء» الى أن «التفاوض حق دستوري لرئيس الجمهورية ويقوم بما يراه مناسباً للمصلحة الوطنية بعيداً عن المصالح الخاصة والمزايدات السياسية، وقام عون بجولة استشارات لا سيما مع رئيس الحكومة نجيب ميقاتي والمختصين بالملف، وجرى اتصال مع رئيس مجلس النواب نبيه بري والمفاوضات مستمرة مع الوسيط الأميركي لاستئناف المفاوضات».
ولفتت الأوساط الى أن «الوسيط الأميركي يدرك أن الطرح الأخير الذي قدمه للحل لم يرضِ الجانب اللبناني لكونه يؤدي الى خسارة 1430 كلم مربعاً»، موضحة أن «الخط 29 تم الحديث عنه عندما تثبت الخط 23 منذ عشر سنوات وأكثر، وبالتالي يجب أن يُسأل من كان يتولى المفاوضات آنذاك، ويمكننا القول إن الخط 29 يفرض نفسه على الطاولة».
وكشف مصدر مطلع على الاجتماعات التي عقدها هوكشتاين لـ«البناء» الى أن «الوسيط الأميركي لم يطرح أية مقترحات جديدة بل استمع للآراء وشروحات المسؤولين اللبنانيين». ولفت الى أن «رئيس الجمهورية أكد للوسيط الأميركي تمسك لبنان بحقل قانا بالكامل أي بلوك رقم 9 وجزء من الحقل رقم 8»، مشيراً الى أن «لبنان تمسك بالخط 23 واستمرار المفاوضات للتوصل الى حقه بعد الخط 23»، داعياً الى النظر للملف من الناحية التقنية والاقتصادية ما يؤمن مداخيل مالية للبنان في ظل الأزمة المالية وتزيد الحاجة للغاز مع أزمة الطاقة في اوروبا والعالم بعد الازمة الروسية – الاوكرانية».
وشدد على أن أهم ما «ناله لبنان بعد جولة الوسيط الاميركي هو تكريس معادلة لا غاز من كاريش مقابل لا غاز من قانا، والتمسك بالخط 23 وحقل قانا، والتهديد بوقف المفاوضات إن لم توقف «اسرائيل» أعمالها في الخط 29 ما يعني تأكيداً لبنانياً على أن المنطقة الواقعة ضمن هذا الخط متنازع عليها». ورأى المصدر أن «اسرائيل لا تستطيع بدء عملية الاستخراج في منطقة النزاع خشية الموقف اللبناني والتهديدات العسكرية لحزب الله، ما يجمّد كل أعمال الاستخراج لأسباب متعلقة بالمنطقة»، محذّراً من أن «الصراع في العالم يتمحور حول مادتين حيويتين للاقتصاد العالمي: الغاز والنفط وأنابيبها والمياه، وهذا أحد أهم أسباب الحرب على سورية والضغط والعقوبات على لبنان».
وقال هوكشتاين في حوار على قناة «الحرة» حول ما لمسه من المسؤولين اللبنانيين: «الخبر السار هو أنّني وجدت إجماعًا أكبر، وإعدادًا جدّيًا للزيارة، وقد قدّموا بعض الأفكار التي تشكل أسس مواصلة المفاوضات والتقدم بها».
ولفت الى أن «الخيار الحقيقي لمستقبل لبنان، وهو الهم الأساس للرؤساء والقادة الآخرين الذين التقيت بهم، هو إيجاد حل للأزمة الاقتصادية التي يعانيها لبنان والتي ترتبط بشكل وثيق بملف النفط، وحل النزاع البحري يشكل خطوة أساسية وهامة من أجل إيجاد حل للأزمة الاقتصادية، وللانطلاق بمسار الانتعاش والنمو، وما جرى كان محاولة جدية تقضي بالنظر إلى الخيارات المتاحة للمضي قدمًا، من غير أن تغفل عن بالنا فكرة أن علينا أن نقدم تنازلات والتفكير بشكل بناء».
وعما إذا كان قد قدم اقتراحات أو نقاطاً جديدة، نفى هوكشتاين ذلك، موضحاً أنه جاء إلى لبنان للاستماع إلى ردود الفعل حول الاقتراحات والنقاط التي أثارها من قبل».
وأضاف: «لأننا في مرحلة حساسة نحاول فيها أن نردم الهوة بين الجانبين كي نتمكن من التوصل إلى اتفاق بينهما، أعتقد أن هذا بالغ الأهمية بالنسبة للبنان بقدر ما أعتقد بصراحة أنه بالغ الأهمية لإسرائيل، لذلك، قبل أن أفصح عن هذه الأفكار، سأتشاركها مع الجانب الآخر، ونكمل المسار من هناك».
ورأى هوكشتاين أن الردّ اللبناني «يدفع بالمفاوضات إلى الأمام، وعليه سأتشارك هذه الأفكار مع «اسرائيل» وما أن أحصل على رد واقتراح من الجانب الإسرائيلي، سأبلغه إلى الحكومة في لبنان».
ولدى سؤاله عما إذا ناقش لبنان معه الخط 29، اعتبر هوكشتاين أن «أمتن الملفات الذي يفترض بالجانب اللبناني إعداده هو ما قد ينجح، والحل الناجح يقضي بالإقلاع عن التفكير هل أملك أفضل قضيّة قانونية، هل أنا في أفضل موقع لي»..
وأضاف: «يقضي النظر إلى نوع التسوية التي يمكن التوصل إليها، ويوافق عليها الإسرائيليون من غير أن يشعروا أن في ذلك ما يتعارض مع مصالحهم، وذلك مع الحفاظ على أهم جزء من مصالح لبنان».
وعلى وقع جولة الوسيط الأميركي خرق الطيران الحربي «الاسرائيلي» جدار الصوت فوق مناطق الجنوب، كان لافتاً تصريح رئيس وزراء الاحتلال «الإسرائيلي» نفتالي بينيت الذي يحمل استفزازات للبنان وحضاً لعودته الى المفاوضات من موقع الضعف، بقوله: «أتطلع إلى اليوم الذي سيقرّر فيه لبنان أنه جاهز للاستفادة من الغاز الطبيعي الكامن في مياهه الإقليمية».
ولفت، إلى أنّه «من المؤسف أن القيادة اللبنانية منشغلة في خلافات داخلية وخارجية بدلاً من استخراج الغاز لصالح مواطنيها. أنصح الحكومة اللبنانية بتحسين الاقتصاد وببناء مستقبل أفضل للشعب اللبناني».