نقاط على الحروف

التوازن السياسيّ الداخليّ بين لبنان و«إسرائيل»

 ناصر قنديل

– يرتكز قياس التوازن السياسي بين لبنان و«إسرائيل» في معادلة النزاع على حقول النفط والغاز إلى ثلاثة عناصر، الأول هو قدرة صناعة الأرباح وتحمّل الخسائر، والثاني هو مدى تأثير خيار المواجهة في النزاع على المكانة الإقليميّة، والثالث هو الوضع الحكومي والنيابي والشعبي.

– في القدرة على صناعة الأرباح صار سقف ما تستطيعه «إسرائيل» هو الحفاظ على الوضع القائم، وهو وضع قلق وحرج فالاستخراج من حقل بحر عكا يندرج في الأرباح التي يجب الحفاظ عليها، لكن من دون التوصل إلى اتفاق مع لبنان سيبقى الربح قلقاً، بينما يصعب على «إسرائيل» تحمل الخسائر وقد رسمت سقفاً عالياً يضعها التنازل عنه خصوصاُ بعد تهديدات المقاومة باستهداف سفينة الاستخراج، في وضعيّة الخسارة القاسية، وكل تأخير في بدء الاستخراج خسارة للفرصة التي يمثلها الطلب الأوروبيّ الملحّ لتأمين بدائل للغاز الروسي قبل نهاية العام، وكل تسريع لبلوغ الاستخراج قبل هذا التاريخ، مخاطرة بحرب أو تنازلات في خطوط الترسيم، بينما يقف لبنان بعد ما تضمنته الوساطة الأميركية من عروض في منطقة تفاوضيّة تتيح التقدم وتحقيق الأرباح، فكل ما سيناله إضافة لخط عاموس هوكشتاين هو أرباح صافية، بينما بدا مستعداً لتقبل الخسارة التي يمثلها التراجع عن الخط 29 مقابل الحصول على الخط 23 وحقل قانا في بحر صور، طالما أنه مشروط بوقف الاستخراج، وقد جاء ثمرة لتهديدات المقاومة.

– في المكانة الإقليمية لا يسعى لبنان لمكاسب، لكن المقاومة فيه كلاعب إقليمي تقف في نقطة محورية مع تموضعها على خط التماس مع حقول النفط والغاز، ودخولها طرفاً من بوابة منع الاحتلال من استخراج النفط والغاز من بحر عكا، وإذا اختار الاحتلال المواجهة هرباً من أوضاعه الحرج وصعوبة تحمل الخسائر ستكون المقاومة بإجماع كل المتابعين في وضعية تتيح لها إنجاز انتصار عسكري استثنائي حده الأدنى إعادة إنتاج معادلة ردع استراتيجية أشد مناعة وقوة من تلك التي أنتجتها حرب تموز، بعدما زادت مقدراتها وضاقت هوامش الاحتلال في بدائل لصناعة النصر بعدما فشلت الحرب على سورية ولم يعد هناك من حروب بديلة، وحدّ نصرها الأعلى قد يكون تدحرج الحرب نحو تهديد مكانة الكيان ووجوده. وإن اختار الكيان التراجع وقبول التوقف عن الاستخراج فهو لا يستطيع منع أصدقائه وخصومه من قراءة التراجع تسليماً بموازين قوى كان ينكرها باستمرار في مواجهة محور المقاومة مدعياً القدرة على تحقيق الانتصار في أية مواجهة، وصولاً لتعميم تقارير ومعلومات تتحدث عن جهوزيته للحرب مع إيران، طالباً من الغرب ومن واشنطن خصوصاً عدم السير بأية تفاهمات من شأنها أن تشكل اعترافاً بتغير موازين القوى، وللتراجع تداعيات إقليمية يصعب منع حدوثها، من الانفتاح الخليجي والأوروبي على سورية وإيران وحزب الله، ومن ترجيح كفة التسويات مع محور المقاومة لدى الإدارة الأميركية.

– في البعد السياسي الداخلي، رغم كل حالة التشظي السياسي اللبناني، ظهر لبنان متماسكاً قوياً في موقفه، بصورة اضطر معها الوسيط الأميركي للاعتراف بإعجابه بهذا التنسيق والوضوح في الرؤية المتفق عليها، ومعلوم أن مضمون الموقف التوافقي اللبناني يحظى بالأغلبية الناطقة في البرلمان والمجتمع اللبناني، باعتبار أن حلفاء واشنطن يتصرفون على أساس أن في فهمهم ماء، ولبنان خارج من انتخابات تتيح استقرار معادلاته السياسية، ولا يشكل استحقاق تسمية رئيس حكومة وانتخاب رئيس جمهورية سبباً للقول إن الخيارات الاستراتيجية للبنان معرّضة لإعادة النظر، فالمقاومة وحلفاؤها في موقع حاسم من القدرة على رسم مصير هذه الاستحقاقات، بينما تبدو حكومة الكيان في وضعية هشة ومنافسة شرسة، وقد خسرت بالأمس نائبين في الكنيست فقدت معهما الغالبية النيابية، وصارت على حافة هاوية التلويح بدعوتها لانتخابات مبكرة من قبل منافس متربّص يمثله بنيامين نتنياهو، سيستثمر على أية خسارة سياسيّة تتسبّب بها تنازلات الحكومة أو هزيمة عسكريّة تلحقها بالكيان.

– ربما يدرك هوكشتاين هذه المعادلات، ولذلك أحجم عن أي نقاش في لبنان، فذهب مهرولاً نحو الكيان لقياس القدرة على التقدّم والتراجع، وحدود المناورة المتاحة، لكن الخيارات الصعبة لا تزال تنتظر المنطقة في ضوء تحكم معايير تكتيكية في قرار حكومة الاحتلال تجاه مواجهة من العيار الاستراتيجيّ الثقيل.

Related Articles

Back to top button