مقالات وآراء

هل ستنجح الدولة في تثبيت حقّ لبنان باعتمادها سياسة «عصفور في اليد…؟

} علي بدر الدين

بعد أن غادر الوسيط الأميركي «النزيه» في ملف ترسيم الحدود البحرية آموس هوكشتاين لبنان، إلى الكيان الصهيوني لإستكمال مهمته العاجلة بدعوة من لبنان، وكان «حلَّ» ضيفاً «عزيزاً مكرّماً» على مدى يومين «آكل شارب»، خفَتَ الكلام لدى المسؤولين ومَن معهم، وانخفض منسوب مواقفهم، وتعطَّلت لغة كلام عند المحللين والباحثين والخبراء في علم البحار والنفط والغاز، الذين خرجوا فجأة عن صمتهم وتصدَّروا الشاشات، و»احتلوا» مساحات على صفحات الجرائد اليومية التي لا تزال تصارع من أجل البقاء على قيد الصدور.

الغريب في الأمر انّ عدوى الغوص في ملف ترسيم الحدود البحرية، والبحث عن ثروات لبنان في النفط والغاز وتقدير حجمها وكيفية التنقيب عنها، أصابت معظم الشعب اللبناني وطغت على ما عداها من أزمات ومشكلات اقتصادية واجتماعية ومعيشية ونقدية، وتحوَّل الجميع إلى محلِّلين وخبراء استراتيجيين في النفط، وراحوا يرسمون الخرائط ويحدّدون الخطوط ويميّزون ما بين المستقيم منها والمتعرّج، وأين تقع خطوط 23 و 29 وهوف، وكيف توزَّع «البلوكات» على حقول النفط في كاريش وقانا وما بينهما، واستُدرجوا جميعاً إلى ملهاة جديدة في ملاعب الطبقة السياسية، التي من واجبها ومسؤوليتها وحدها، متابعة هذا الملف الحيوي المغيَّب والمُهمَل والمنسي منذ ما يقارب ثلاثة أرباع القرن، لحسابات خارجية ومصالح داخلية، ونسوا او تناسوا انّ هذه المنظومة هي التي أفقرتهم وجوَّعتهم وحرمتهم من أدنى مقومات حقوقهم ولا تزال ممعنة في نهجها الإفسادي التحاصصي، وفي نهب المال العام والخاص، وقد لا يسلَم منها حق لبنان ونفطه وغازه.

بعد كلّ الضجيج والإثارة والكلام الكثير، والأبحاث والدراسات والخرائط التي وضعت على الطاولات، وأُشبعت درساً وتمحيصاً وتفسيراً، منذ أن بدأ العدو الصهيوني بترجمة أطماعه التاريخية بأرض لبنان ومياهه وثرواته في النفط والغاز بالاعتداءات والتهديدات، وبدء «الوساطة» الأميركية، والمسؤولون في لبنان يبيعون الأوهام والوعود الفارغة للشعب، ويستمرّون بتخديره ويحثونه على الصبر وتحمُّل ما يحلٌّ به من كوارث ومعاناة وفقر وجوع ومرض وتهجير، وبأنّ ما هو فيه ليس سوى «أزمة عابرة وبتعدِّي»، عليه أن ينام على حرير وعود المنظومة السياسية والمالية، لأنّ الآتي سيكون حتماً أفضل لمن بقيَ من اللبنانيين، أو أقله للأولاد والأحفاد إذا لم يغادروا إلى بلاد الله الواسعة، اسوة بمن سبقهم إلى الهجرة قهراً وقسراً، هرباً من الظلم والفقر والتسلُّط والفوضى والفلتان، و»ما أشبه اليوم بالبارحة».

ربما كان من «حظِّ» لبنان وسلطاته ومسؤوليه، اختيار هوكشتاين ليكون «الوسيط النزيه»، لرعاية المفاوضات غير المباشرة لترسيم الحدود البحرية، لأنه على ما هو ظاهر، يحظى باحترام استثنائي من بعض القيادات السياسية ومرحبٌ به دائماً، ويتمّ استقباله بحفاوة، وتقام له مآدب الغداء والعشاء في القصور الخاصة، كدلالة على مكانته ورفعته في قلوب محبِّيه، على أمل أن «يردّ الجميل» بتثبيت حق لبنان، وهو الذي سيحمل معه إلى الكيان الصهيوني خلاصة ما سمعه من السلطات اللبنانية، وإنْ كان بالمفرق من مسؤول على حدة، رغم أنهم مجمعون على الموقف نفسه، لكن الفولكلور اللبناني يقتضي القيام بكلّ هذه الزيارات! ويبدو أنّ الموقف الواحد عتمد المثل القائل «عصفور باليد ولا عشرات على الشجرة».

 الأمل في ما حصل ويحصل من جولات تفاوضية وصولات وزيارات ولقاءات ألا تكون على طريقة «لزوم ما لا يلزم»، خاصة انّ خيارات «الوسيط» الأميركي معروفة ومسبقة، وأنّ انحيازه سيكون حتماً الى الكيان الصهيوني الذي ينتمي اليه هوية وهوى.

الأسئلة المشروع طرحها هل ما يحصل هو لـ «ذرّ الرماد في العيون» ولحجب الرؤية وتضييع طاسة الحقيقة المؤلمة؟ وهل سيضيع حق لبنان وستتبخَّر الأحلام وتتطاير الآمال، ويبقى الشعب غارقاً بالفقر والجوع والحرمان؟ هل يصرُّ الشعب على الاستمرار في تقليد حكامه وانتهاج سلوكهم على «العمياني»، والارتماء على أشواك وعودهم وتصديقها؟ لماذا إصراره على «خياراته» السياسية، مع أنه يُجلَد كلّ يوم، ودمه يسيل من قدميه لوقوفه ساعات، في الطوابير أمام المحطات والأفران والصيدليات وعلى أبواب المستشفيات؟

أما آن لفجر هذا الشعب ان يبزُغ وقد طال انتظاره؟ أم ينطبق عليه قول المفكر المصري جلال عامر «بعض الشعوب مثل الحكام ترفض أن تتغيَّر»، أو كما يقول الفيلسوف الروسي دوستوفيسكي «لا يمكنك أن تشفى في نفس البيئة التي جعلتك مريضاً»…

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى