«مجزرة إهدن» بين الأمس واليوم
} نمر أبي ديب
مع تراكم المواقف التقسيمية في حينه، وذهاب البعض بعيداً في سياسة «الانفتاح الأمني على إسرائيل»، شكَّل التزامن الغير مُعلَن في سياسات الخداع التي مارستها «إسرائيل» مع قرار الانسحاب العسكري من جنوب لبنان، في 13 حزيران 1978 و»مجزرة إهدن»، شكل استكمالاً عسكرياً لقرار سياسي تخطى في أبعاده الأمنية العسكرية وحتى السياسية الجغرافيا المناطقية، حين أبقى على معادلة «الاحتلال الإسرائيلي في الجنوب اللبناني»، بالتزامن مع حركة «إلغائية» ذات طابع إجرامي، استهدفت فجر 13 حزيران 1978 الشمال المسيحي وتحديداً «إهدن» ضمن عملية عسكرية مستوحاة من الهجوم «الإسرائيلي» على منطقة فردان في بيروت 1973 كما ذُكِر في صحيفة «واشنطن بوست» بتاريخ 23/6/1978، وأحد أبرز أهدافها السياسية تعبيد طريق «التقسيم» على قاعدة إزالة العوائق الوطنية التي شكَّلت بوجودها الاستثنائي المُتَمَثِّل بالوزير والنائب الشهيد طوني سليمان فرنجية حجر العثرة على مسار الإجماع المسيحي الذي فقد مفاعيله العملية، نتيجة المُصالحة الشمالية بين الرئيسين سليمان فرنجية ورشيد كرامي في أيار 1978، والتي أراد من خلالها بشير الجميّل تثبيت الواقع الانتقالي للمُكَوِّن المسيحي على قاعدة إفراغ الساحة المسيحية من المُعترضين، وإحكام السيطرة السياسية وحتى العسكرية على مفاصل القرار المسيحي، والعمل بمفاعيل وأحكام «أمن المجتمع المسيحي» الذي بدت علاماته الفارقة واضحة في مجزرة إهدن، وأيضاً في مواقف واتهامات بشير الجميّل التي حَمَّلَ من خلالها «أهالي بشرِّي إضافة الى عناصر فردية» كما عَنْوَنَتْ جريدة «السفير» في حينه مسؤولية المجزرة التي ذهب ضحيتها واحد وثلاثين شهيداً بينهم نجل الرئيس سليمان فرنجية، النائب والوزير طوني فرنجية وزوجته السيدة فيرا قرداحي فرنجية وابنتهما جيهان البالغة من العمر سنتين وسبعة أشهر.
شكَّلت «الخُلوة» التي عقدتها «الجبهة اللبنانية» في زغرتا بتاريخ 21 كانون الثاني من العام 1978 والأخيرة التي شارك فيها الرئيس سليمان فرنجية نقطة فاصلة في السياسة اللبنانية، ظُهِّرَت من خلالها التباينات السياسية بصورة واضحة عكست حجم التنامي في مساحات الاختلاف السياسي داخل «الجبهة اللبنانية» والتوجهات الوطنية التي كان الشهيد طوني فرنجية قد حرص على رسم حدودها السياسية بتأكيده الدائم على وحدة لبنان، وعلى رفض التقسيم، وأيضاً رفض كافة اشكال التعامل مع «إسرائيل».
انطلاقاً مما تقدَّم عكس التصريح الذي أدلى به طوني فرنجية في 2/6/1978 خطورة المرحلة بالدرجة الأولى والتطورات المتسارعة على الساحة الداخلية إضافة الى القلق المُتنامي في ملفات عديدة وعناوين استراتيجية تمحورت في مُجمَلِها حول «النوايا الإسرائيلية» في تلك المرحلة، حول الخطة المُعَدَّة «للبنان» وما يمكن ان يُبيّته قرار الانسحاب «الإسرائيلي» من جنوب لبنان، المُقَرَّر في 13 حزيران 1978 التاريخ الذي حاولوا فيه ومن إهدن توجيه ضربة قاسمة للبنان المُوَحَّد السيد الحر المُستقلّ، فكانت النتيجة عدم انسحاب في الجنوب، ومجزرة في الشمال، عَمِلَ على تنفيذها عملاء «إسرائيل» بأذرع لبنانية وحسابات «تقسيمية» أسقطها الرئيس سليمان فرنجية بعبارته الشهيرة المعبّرة «فدا لبنان».
لبنان بين الأمس واليوم، مواقف سياسية متداخلة وأخرى وجودية مُرفقة بـ «حروب إلغاء مستمرة في السياسة الداخلية وأيضاً في موازين القوى البرلمانية، ما يجري اليوم هو انتقال في السياسة من نفس تقسيمي الى آخر تدويلي، (وجهان لعملة واحدة)، تحاول من خلاله القوى نفسها البحث في أعماقها عن سبل تضمن من خلالها العودة السياسية الى مشروعها التاريخي القديم الجديد بصورة عصرية تستطيع من خلالها إنهاء معركة «الهوية» التي عَجِزَت عن حسمها في 13 حزيران 1978 بالرغم من قساوة اللحظة آنذاك، وبالرغم من فظاعة الحدث، وهول الجريمة التي أكَّد طوني فرنجية قبل حدوثها بأيام قليلة ان «التقسيم لا يمكن ان يَمٌر إلا على اجسادنا» مضيفاً «الأشخاص يزولون أما لبنان فباقٍ…»