هل مَن يستجيب قبل فوات الأوان…؟
} علي بدر الدين
ليس مفاجئاً هذا الكمّ من الطعون الانتخابية التي قدَّمها مرشحون خاسرون ضدّ مرشحين أعلنت وزارة الداخلية والبلديات فوزهم رسمياً، لإبطال نيابتهم والحلول مكانهم. الطعن حقٌّ متاح ومباح ومشروع وقد كفله القانون، إذا ما شعرَ المرشَّح الطاعن أنّ خسارته المقعد النيابي نتجَت عن غبنٍ او ظلمّ او تزوير لحق به، وأدَّى إلى فوز مرشَّح آخر على اللائحة المواجِهة، على أن تتوافر في الطعن المقدَّم معطيات ووقائع، وأدلٍّةٍ ومستندات عينية وموثقَّة قد تعيدُ له حقّه المصادَر، وتخسِّر المرشَّح الفائز و»تشلِّحه» مقعده النيابي، وهذا أمرٌ حصل مرات قليلة في أكثر من دورة انتخابية سابقاً، رغم الشكوك بصحة بعضها في حينه ولغاية اليوم، خاصة إذا كان «الطاعن» من المرضي عليهم، وكان «المطعون» في فوزه ونيابته من المغضوب عليهم ولا حول ولا قوَّة له ولا معين سوى الشعب الذي محَضَه ثقته واقترع له بملء إرادته.
المشكلة في انتخابات أيار2022 ليست بالطعون المقدَّمة، بل بحجمها الذي بلغ رقماً قياسياً غير مسبوق (15)، وهذا ما لم نشهد مثيلاً له في كلّ الانتخابات النيابية التي حصلت قبل اتفاق الطائف وبعده، وفي الجمهوريتين الأولى والثانية، وهذا مؤشِّر كافٍ لنَهَم البعض من المنظومة السياسية الحالية، أو ممن هم خارجها لولوج «جنَّة» السلطة ونعيمها، وما توفِّر من حصانة وحماية وامتيازات، وقد جرّبها البعض وعاش وتربَّى في كنفها، ويريد البعض الآخر تذوُّق حلاوتها والتمتُّع بطعمها اللذيذ والشهي.
الطموح لدخول الندوة البرلمانية مشروع ومشرَّعة أبوابه أمام الجميع، على أساس الخدمة العامة ومن أجل المصلحة الوطنية، خاصة أنّ النائب هو «نائب الأمة» وليس مقط ممثلاً لمنطقته ودائرته الانتخابية الضيقة ولا لبيئته وعشيرته، ولا يقتصر دوره على القيام بواجب التعزية او أيّ مناسبة اجتماعية في نهاية الأسبوع.
دور النائب تشريعي بامتياز ووظيفته مراقبة الحكومة ومساءلتها ومحاسبة كلّ وزير قصَّر في إدارة شؤون المواطنين وطرح الثقة به وبالحكومة إذا اقتضى الأمر. غير أنّ العديد من النواب ماضياً وحاضراً يفتقرون إلى الشروط والمواصفات المطلوبة لتجعل منهم نواباً فاعلين ومؤثرين وأصحاب رأي وقرار، ومعظمهم من رجال المال والأعمال في لبنان والخارج يترشحون إلى النيابة للحصول على «برستيج» سلطوي وعلى لقب «السعادة»، وتأمين الحصانة التي يحتاج إليها، في حين أنّ لقب التعاسة الأبدية يكون من نصيب الشعب الذي خدعته الشعارات والوعود وخطابات شدِّ العصب. وهناك نواب يقتصر دورهم على حضور الجلسات والصمت ورفع الأيدي للاقتراع فقط، يعني «عاطلين عن العمل» على مدى أربع سنوات ولكنهم يقبضون رواتبهم ويضمنون تقاعدهم وشيخوختهم، في حين أنّ من انتخبهم لا ضمان صحياً واستشفائياً له ولا شيخوخة آمنة.
الظروف الصعبة والقاسية جداً التي يشهدها هذا البلد، تنذر بخطر حقيقي منه ما هو قائم ومنه ما هو داهم وعلى الأبواب، وقد بات على فوهة بركان متفجِّر، سياسياً واقتصادياً ومالياً واجتماعياً ومعيشياً، وهي عناصر كافية لصرف نظر البعض عن تقديم الطعون، ولأن يوفروا على أنفسهم ومن معهم المال والجهد والوقت، وهم منذ أكثر من شهر يحضِّرون لتقديمها، مع أنّ بعض الذين لم يحالفهم الحظ او يعتقدون أنهم تعرّضوا لغشّ او تزويرٍ في أيّ صندوق اقتراع، ما زالوا حاضرين سياسياً وفاعلين ومؤثرين وأصحاب رأي مسموع وقرار مطاع، كلّ ما في الأمر انهم أصبحوا من النواب السابقين، وعليهم بدلاً من إشغال الناس والجهات القضائية المعنية وإلهائهم بقضية قد لا تؤتي ثمارها، البحث عن مكامن الخلل التي أدّت إلى فقدانهم مقاعدهم النيابية، وأهمّها الخلل الفاضح في قانون الانتخاب وتقسيماته المناطقية والطائفية والمذهبية.
الجهود المبذولة لقبول الطعن أو رفضه وعدم الأخذ به، مضيعة للوقت، لا سيما أنّ لبنان حاضراً ومستقبلاً ومصيراً، مهدّدٌ في وجوده، وآيل للسقوط في أية لحظة، بعد أن شلَّخت الطبقات السياسية التي تعاقبت على حكمه، أسسه ومداميكه، وزعزعت أركان الدولة وصادرت مؤسّساتها وشلَّتها، ونهبت المال العام والخاص وتقاسمت السلطة والقرار والنفوذ، وتحاصصت في كلّ صغيرة وكبيرة، وحبل فضائحها يطول، وها هو الشعب اللبناني «يقطف» الفقر والجوع والذل والإهانة، ويُحرَم من كل حقّ له.
كفى نزوعاً إلى السلطة والمال والنفوذ، أقلّه في هذا الزمن الرديء بمنظومته التي ملأت البلد ظلماً وجوراً ونهباً وسطوة وتحاصصاً.
هل من يستجيب بينما الوطن والشعب على شفير الهاوية والسقوط، ويتعاطى بإيجابية مع التكليف والتأليف، لمواجهة استحقاقات وطنية واقتصادية ونقدية ودستورية ضاغطة قبل فوات الأوان؟