انتخابات الكيان المبكّرة وعلم الاحتمالات
ناصر قنديل
– في ظاهر الأمور جاء قرار الائتلاف الحاكم في الكيان بحل الكنيست والذهاب إلى انتخابات مبكرة يرجّح أن تجري في شهر تشرين الأول المقبل، تعبيراً عن تطوّرات المشهد السياسي الداخلي في الكيان، مع وجود حكومة تمزقها تناقضات مركبة بين مكوّناتها الآتية من أصناف اليمين واليسار، والتي تشكلت بأغلبية هزيلة، بعدما دنا موعد انتقال الرئاسة بين شركائها من ضفة اليمين الى ضفة يسار الوسط، من نفتالي بينيت إلى يائير لبيد، وفي ظل هشاشة الدعم النيابي الذي تلقاه بعدما بدأت الأغلبية بالتداعي، ووجود التحدي الدائم الذي يلوح به الخصم القوي بنيامين نتنياهو والذي يعرض على التصويت يوم غد الأربعاء لإجراء انتخابات مبكرة ويمكن لن يحصد أغلبية الكنيست، إذا صحت التقديرات بانتقال أكثر من نائب من ضفة الائتلاف الى ضفة نتنياهو، لكن هل هذا يكفي لتفسير قرار بحجم إدخال الكيان في حالة فراغ على مستوى القرار السياسي الأول في لحظات تبدو شديدة الدقة في تاريخه، حيث المواجهة مع قطاع غزة في تنامٍ، والمشهد في الضفة الغربية يتصاعد، والتوتر جمر تحت الرماد مع لبنان في ظل أزمة النفط والغاز وترسيم الحدود والبدء باستثمار حقل بحر عكا، بعد اتفاق أوروبي إسرائيلي على صفقة دسمة، بينما التحدي بين الكيان وإيران في ذروته، وكلها تحديات دفعت بالأحزاب للتفكير بحكومة وحدة وطنية في ظروف مشابهة؟
– يمنح تزامن قرار الائتلاف الحاكم في الكيان مع التحضيرات الجارية لزيارة الرئيس الأميركي جو بايدن الى المنطقة، بعداً خاصاً، حيث كشفت التقارير الصحافية الأميركية والإسرائيلية عن ضغوط أميركية على الائتلاف الحاكم والمعارضة معاً لاستبعاد اندلاع أزمة حكومية، والذهاب لحل الكنيست، بهدف تمرير زيارة بايدن بعد أقل من شهر، بوجود حكومة كاملة المواصفات في الكيان، يمكن أن تتم الزيارة بوجودها وتكون ذات جدوى، خصوصاً أن ما كشف عن مضمون الزيارة يقول إن التعاون الخليجي الإسرائيلي في بناء شبكات موحّدة للرادارات تحت قيادة أميركية، يشكل أحد أهداف الزيارة، بينما رفعت بعض الصحف الإسرائيلية سقوف توقعاتها للقول إن زيارة بايدن تهدف للحصول على موافقة سعودية على التطبيع مع «إسرائيل» كثمن للاعتراف الأميركي بشرعية تولي ولي العهد السعودي للعرش في بلاده، ويجري الترويج لزيارة الرئيس الأميركي بصفتها تعبيراً عن انسداد الخيار التفاوضي بين واشنطن وطهران، وترجيح كلفة خيار المواجهة بينهما.
– ثمة مؤشرات معاكسة يأخذها بعض المحللين ضمن دائرة الاحتمالات والفرضيّات، فالكلام الأميركي عن قرب امتلاك إيران لما يكفي لامتلاك قنبلة نووية وإرفاقه بالإعلان عن الاستعداد للعودة الى الاتفاق النووي، رغم إلقاء اللوم على إيران لتعثر التفاوض، بقي غير مفهوم الوظيفة في ظل التصعيد الأميركي بوجه إيران، وساء بحجز ناقلة النفط في اليونان وطائرة الركاب في الأرجنتين، أو التصعيد في مجلس حكام الوكالة الدولية للطاقة الذرية، ومثله الجواب الإيراني بتأكيد الجهوزية للعودة الى الاتفاق، وإلقاء اللوم على واشنطن في التعثر، في مناخ عالي السقف في الحديث عن الجهوزية لمواجهة أية اعتداءات إسرائيلية، واللغة القاسية في الرد على الوكالة الدولية، ما فتح الباب للحديث عن فرضية تقول بأن واشنطن وطهران تتجهان للتوقيع على الاتفاق. وهذا معنى تصريحات المستشار الإعلامي للوفد الإيراني في فيينا عن عدم وجود بند رفع العقوبات عن الحرس الثوري في الطلبات الإيرانية التفاوضية من جهة، وعدم استعداد إيران لتقديم أي تعهد بعدم ملاحقة المسؤولين الأميركيين عن اغتيال القائد قاسم سليماني، ووفقاً لهذه الفرضية فإن زيارة بايدن تهدف لتقديم ضمانات لـ«إسرائيل» بأنها لن تكون وحدها في حال تعرّضها للاستهداف من إيران، وأن واشنطن ستكون مسؤولة عن منظومة رادارات وتعمل في الخليج وترتبط بشبكة الباتريوت من القبة الحديدية التي تقودها واشنطن أصلاً داخل الكيان، وان الرئيس الأميركي بعد إنهاء هذه المهمة سيعتبر أنه بات طليق اليدين في العودة للتفاوض وصولاً لتوقيع الاتفاق مع إيران.
– إذا صحت هذه الفرضية تكون الإطاحة الذاتية بالحكومة الائتلافية في الكيان، استباقاً وقائياً من مثل هذا الخيار، واعتماد الفراغ الحكومي في الكيان لتحقيق الفراغ التفاوضيّ بين واشنطن وطهران.