العمق الاستراتيجي الجغرافي والعمق الاستراتيجي النفسي
من أهمّ عناصر المنعة الاستراتيجية لأيّ بلد من الناحية الجيوسياسية هو عنصر العمق الاستراتيجي الجغرافي، فالبلد الذي يتمتع بعمق استراتيجي جيّد يستطيع المناورة، ويستطيع استيعاب أيّ هجوم معادٍ ومن ثم الانتقال من مرحلة الدفاع الى مرحلة الاستحواذ على زمام المبادرة وتحقيق الإنجازات…
دولة العنكبوت الطارئة لا تمتلك هذا الترف، فعمقها الاستراتيجي الجغرافي هش بالغ الضحالة، ولعلّ ذلك كان من أهمّ أسباب لجوئها الاضطراري الى فلسفة الحرب الخاطفة ومن ثم الإصرار على نقل الحرب الى أرض العدو فوراً وعدم السماح بالاشتباك مع العدو في «أراضيها» وما يتطلبه ذلك عبر العقود الفائتة ومنذ إنشاء الكيان من تفوّق تكنولوجي ووسائط قتال ميكانيكية فائقة التطور، وهو أمر غدا في مهب الريح لاحقاً بسبب تكوّن قوى غير نظامية، استطاعت أن تحشد، وبالصبر الاستراتيجي والمثابرة الذكية كمّاً هائلاً من عناصر القوة والنيران ما خلق وضعاً استاتيكياً غير قابل للكسر، ومما مكّن قوى المقاومة المستحدثة من تثبيت الموقف والمراكمة عليه، والعدو واقف يتفرّج بذهول الى وضع يقوم فيه الطرف الآخر بالمراكمة الحثيثة لقوّته إنسانياً ونيرانياً متمثلاً بالصواريخ، وهو غير قادر على عمل أيّ شيء لإحباط ذلك…
الأدهى والأمرّ هو هشاشة وضحالة العمق الاستراتيجي النفسي لدى العدو، فهو غير قادر على ردّ الفعل إزاء حالة من الإحباط وعدم القدرة على الإنجاز إنْ لم نقل الهزيمة، فمنذ ما يربو على ربع قرن من الزمان، اشتبك العدو في مجموعة من المعارك الصغرى مع قوى الممانعة خرج منها صفر اليدين، مما راكم في لاوعي جمهوره وبالتأكيد قوّته العسكرية حالة من الشعور بالخطر الوجودي آخذ في التعاظم، نستدلّ عليه من خلال وسائط الاستشعار للعدو بذاته، عميقاً في لاوعي الكيان خوف فادح بأنّ أيّ صراع عنيف قد يطرأ في أية لحظة سيحمل في طياته بداية النهاية، نستطيع أن نؤشر بثقة إلى انّ العمق الاستراتيجي النفسي للكيان الطارئ آخذ في التهشّم.