الابتزاز الأميركي الواضح: لا نفط ولا غاز قبل التطبيع والتوطين
} خضر رسلان
عام 1979 اتخذت المؤامرة ضدّ الشعب الفلسطيني اشكالاً قانونياً، فقد أغفلت إتفاقية كمب دايفيد برعاية أميركية حق الفلسطينيين على أرضهم، وأعطت للكيان “الإسرائيلي” “حق” الاستمرار في احتلاله الأراضي الفلسطينية فضلاً عن زيادة أعداد المستوطنات على تلك الاراضي، رغم مخالفة ذلك للقوانين الدولية؛ وهذا الامر منح “إسرائيل” ليس فقط القدرة على عدم وضع حدّ لاحتلالها وإنما سهل امر استمرار الاعتداءات ضد لبنان وممارسة سياسة الارض المحروقة في المناطق الجنوبية تمهيداً لاجتياحها لبنان عام 1982 بحجج وأعذار واهية ولم يكن الهدف من الوصول الى العاصمة بيروت إخضاع لبنان فقط او إلحاقه في المنظومة الأميركية “الاسرائيلية” بشكل كامل، إنما المستهدف الى ذلك تهيئة الأرضية الخصبة للتنفيذ العملي للأجندة الخاصة بتوطين الفلسطينين في البلاد التي يقيمون فيها على ان يكون لبنان باعتباره الحلقة الأضعف باكورة تنفيذ هذا المشروع.
ورغم الاندحار الصهيوني عن لبنان وهزيمته عام 2006 إلا انّ المشروع الأساسي الصهيوني ـ الأميركي المدعوم أوروبياً ومن بعض العرب المرتكز على التطبيع مع هذا الكيان الغاصب وبناء شبكات علاقات ومصالح مشتركة معه، فضلاً عن شطب حق العودة للفلسطينيين بشكل نهائي وتوطينهم في الأماكن التي لجأوا اليها لا يزال الهدف الاول لديهم ومن اجل انجازه لجؤوا وما زالوا الى عدد من السيناريوات الهدامة والقاسية مستندين الى قراءة للتاريخ الوطني التي يمكن الاستنتاج من خلالها الى انّ الكيان اللبناني منذ نشأته تمّ التعامل معه على أساس انه ساحة تفرض عليه الخيارات، ولم يكن في تاريخه فاعلاً في الأحداث بل يتلقى الإملاءات وتحدّد له المسارات، الى ان استطاعت المقاومة ان تجعل من لبنان شيئاً آخر وقد ظهر ذلك في التالي:
أولاً: حروب ومشاريع هدفها التطبيع والتوطين أسقطتها المقاومة
1 ـ إسقاط اتفاقية 17 أيار وبالتالي مفاعيل الاجتياح «الإسرائيلي».
2 ـ إسقاط مشروع الشرق الاوسط الجديد وانتصار تموز 2006.
3 ـ إسقاط المشروع التكفيري المدعوم أميركياً و»إسرائيلياً» والذي استهدف الغاء الكيانات ومنها لبنان.
4 ـ إسقاط الحرب الكونية على سورية (مع دخول الغاز كعامل جديد في المعادلة).
برغم كل الإخفاقات التي مُني بها الأميركيون والصهاينة إلا انهم لم يتخلوا عن اهدافهم لذلك وجدنا الصلف والإمعان الأميركي في الضغط على لبنان ومقاومته من خلال عدة مسارات أبرزها:
أ ـ العقوبات الأميركية الأحادية الظالمة التي فرضت على لبنان بشكل عام وعلى كيانات وأفراد محدّدين.
ب ـ إصدار قانون قيصر الذي يصيب الشعب اللبناني أكثر مما يصيب سورية وهذا مما ترك آثاره السيئة على الاقتصاد اللبناني.
ج ـ منع لبنان من الاتجاه الى الأخذ بخيارات اقتصادية عرضتها دول عدة أبدت جهوزيتها للمساعدة في قطاعات حيوية جداً، من دون ان تتجرأ معظم القوى اللبنانية على الأخذ بالخيارات البديلة، خوفاً من سيف العقوبات الأميركية المسلط.
ثانيا: ملف الترسيم والثروات النفطية والغازية
1 ـ الابتزاز الأميركي – “الإسرائيلي” للدولة اللبنانية
ديبلوماسي غربي سبق ان زار لبنان أسرَّ الى احد مستقبليه انّ العقوبات المفروضة على لبنان والحصار الاقتصادي والأزمات الاجتماعية وهبوط العملة الوطنية مردّه الى الشروع في عملية ابتزاز لبنان وشعبه بغية الرضوخ الى الخيارات الأميركية «الإسرائيلية»، اذ انّ الطرفين من مصلحتهما عدم خروج لبنان من أزمته والإبقاء على حصاره الحالي، والموقف “الإسرائيلي” متناغم تماماً مع الموقف الأميركي بخصوص ملف الترسيم، لأنّ ايّ اتفاق يسمح لبيروت باستخراج الغاز، هذا سيؤدّي حتماً الى حلّ أزمات لبنان المالية وهذا يعني خسارة العدو الصهيوني وحلفائه للورقة التي يُراد من خلالها الضغط على لبنان لتقديم تنازلات وبخاصة في ملفي التطبيع والتوطين…
وبناء على ما تقدّم هل يستسلم اللبنانيون لهذا الواقع وكأنه قدر لا يمكن الهروب منه؟ وهل يملك لبنان خيارات محددة تتيح له الوصول الى حقوقه السيادية دون انتقاص؟ والسؤال الأبرز هل توجد لدى اللبنانيين إرادة المواجهة والتحدي وعدم الخضوع للابتزاز…
2 ـ قوة الحق القانوني والإرادة الوطنية اللبنانية في مواجهة الابتزاز
بالرغم من امتلاك لبنان لعناصر قوة راجحة وحاسمة تستند على قوة الحق اللبناني في أرضه ومياهه المثبتة من خلال الوثائق الدولية وقوانين البحار فإنّ الولايات المتحدة تعمل وبكلّ وقاحة من خلال ما يسمّى مفاوضات ترسيم الحدود على تمكين الكيان الغاصب من الاستفادة من أكبر قدر ممكن من الثروات الغازية والنفطية والتي هي وفق القوانين الدولية تدخل ضمن السيادة اللبنانية مستفيدة من حالة الهلع التي تصيب شريحة كبرى من القوى والشخصيات اللبنانية مهابة ان تطالهم لوائح العقوبات الأميركية.
لذلك وبناء على الحقائق التاريخية لدى الكثير من الشعوب الحرة فإنّ اعتماد خيار المواجهة والمقاومة والتكاتف الوطني هو الضامن الوحيد لحماية لبنان وحقوقه المائية وثرواته النفطية والغازية، ومنطق التاريخ يؤكد على ضرورة تعزيز عناصر القوة والاقتدار لان العالم لا يحترم إلا الأقوياء.