أخيرة

الله وهب الإنسان العقل ليفعل لا لينشلّ

} يوسف المسمار*
القدرة الخالقة لم تعط سرَّ الايجاد لأحد

 إن القدرة التي أوجدت الحياة أو الله لم يعط سرّه لأحد لا للدينيين ولا للعلميين، وأهم ما وهب الله للإنسان هو موهبة العقل ليعمل لا ليقف مشلولاً أمام أي وضع أو واقع أو رواية أو حدث، أو أيّ شيء آخر، بل إن ميزة العقل الكبرى هي أنّه يمتاز بالجدارة التي تؤهله أن يميِّز ويعمل، ويتذكّر ويتخيَّل، ويعقل ويفكر، ويدرس ويبحث ويناقش، ويقبل ويوافق ويرفض، ويتراجع ويتقدّم، وينظـِّم ويدمـِّر ويبني، ويكتشف ويخترع، ويفعل كل ما تسمح به طاقته المادية والعقلية للوصول الى أجوبة منطقيّة ومعقولة ومُرضية.

إن مسألة نشوء النوع الإنسانيّ لا تزال وتستمر تشكـِّل أكبر تحدٍّ للمفكرين والباحثين والعلماء والفلاسفة والكتـّاب الذين أبـدوا الكثير من الآراء المتعاكسة أو المتوافقة أو المتصارعة أو المتضاربة حول مسألة نشوء الإنسان مما يجعلنا نكرّر ونؤكد أن القوة الخالقة لم تبح لأحد من الناس بسرّ وجود العالم لا للدينيين ولا للعلماء، كما أننا على قناعة تامة أيضاً أن الإنسان لم يُعطَ موهبة العقل لينشلّ أمام أي وضع أو حدث أو واقع أو أية علامة استفهام أو أيّ سر كبير، بل إن الله وهب العقل للإنسان ليستخدمه في هذا العالم وليمجـِّد به واهب العقل الذي لا يقبل ولا يرضى أن تصبح عطاياه مشلولة مهملة ومن دون قيمة.

الله وهب الإنسان العقل ليفعل لا لينشلّ

 لقد أعطى الله تلك الموهبة التي هي العقل للعالم لكي يدرس ويحلل طبائع الأشياء، وأعطاها للفيلسوف لكي يفكـِّر ويتأمّل ويعطي القيم الفكريّة مواضعها ومراتبها، وأعطى موهبة العقل أيضاً لرجل الدين ليكون له دليلاً ويرشد به الناس ويوجههم الى ممارسة الفضائل الحميدة وتحسين سلوكهم ومعاملاتهم في حياة تمتاز بالتفاهم والتضامن والتناغم والانسجام والسلام.

بناء على ما قدّمناه ندرك ونتفهّم بسهولة كلام العالم الاجتماعي والفيلسوف أنطون سعاده عندما قال في محاضرته السابعة في الندوة الثقافية عام 1948 صفحة 127:

«لم يوجد العقل الإنسانيّ عبثاً. لم يوجد ليتقيّد وينشلّ. بل وجد ليعرف ليدرك، ليتبصّر، ليميّز، ليعيّن الأهداف، وليفعل في الوجود… العقل في الإنسان هو نفسه الشرع الأعلى والشرع الأساسيّ. هو موهبة الإنسان العليا. هو التمييز في الحياة، فإذا وضعت قواعد تبطل التمييز والإدراك، تبطل العقل، فقد تلاشت ميزة الإنسان الأساسيّة، وبطل أن يكون الإنسان إنساناً وانحطّ الى درجة العجماوات المسيَّرة بلا عقل ولا وعي».

 ويضيف أيضا في المحاضرة السابعة نفسها صفحة 127- 128:

«سنّة الله التي لا يفعل فيها عقل مميّز مدرك هي للجمادات والعجماوات. أما الإنسان فقد أعطاه القوة المميّزة المدركة لينظر في شؤونه ويُكيّفها على ما يُفيد مصالحه ومقاصده الكبرى في الحياة. فليس معقولاً إذن أن يُعطّل اللهُ نفسه هذه القوة بشرعٍ أبديّ أزليّ جامد…».

 لقد وهب الله الإنسان موهبة العقل ليعمل بها لا لا يهملها أو يعرقل فعلها أو يعطلها. هذه الموهبة هي التي تشجـّع وتحمل العالم الدنيويّ على البحث والتفتيش عن حقائق الأشياء الدنيوية، وتقود العالم الديني الى وجهته الدينية الحقيقية التي هي التأمل والتفكير بالمصير والحياة الباقية، كما أشار سعاده في محاضرته السابعة صفحة 123 أي:

«الاشتغال بالأفكار الدينية الفلسفية أو اللاهوتية، المتعلقة بأسرار النفس والخلود والخالق وما وراء المادة. (سعاده المحاضرة السابعة) وليس الاستناد الى الروايات الافتراضيّة الخياليّة والتخمينيّة.

وهذا ما توصل اليه الفيلسوف ابن رشد حين قال:

«لا يمكن أن يعطينا الله عقولاً ويعطينا شرائع مخالفة لها».

الخلاصة التي يمكننا التوصل اليها هي أن العالم الاجتماعي أنطون سعاده كان عالماً واضحاً في بحثه عندما عيّن منهجه تعييناً لا التباس فيه ولا تشوّش واعتبر العلم نهجاً واضحاً ووحيداً لحصول المعرفة الواقعية السليمة التي تساعد الدارسين الباحثين على التقدم، وتفتح مجالات واسعة للمزيد من المعلومات والمعارف والاختبارات للوقوف على حقائق الاشياء الغامضة واكتشافها.

*باحث وشاعر قومي مقيم في البرازيل.

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى