هل تفجّر ليتوانيا المواجهة بين روسيا والناتو؟
ناصر قنديل
– مع وصول الرهان على قدرة القوات الأوكرانية أن تعطّل الاندفاعة العسكرية الروسية بالاستناد الى حجم الدعم الغربي بالمال والسلاح إلى طريق مسدود، باتت الجغرافيا الأوكرانية عاجزة عن تحمل تبعات المواجهة رغم صراخ الرئيس الأوكراني فلاديمير زيلينسكي بصوت مرتفع عن تهديدات لروسيا، وصار تماسك الجيش الأوكراني وبقاؤه في الميدان العسكري كقوة جدية يعتمد عليها موضع سؤال كبير، ولأن حلف الناتو لا يرغب بالدخول في مواجهة مباشرة مع روسيا، جاءت خطوة ليتوانيا بمنع مرور البضائع من روسيا إلى كالينينغراد وبالعكس، تحرشاً محسوباً من الناتو، لوضع موسكو بين خياري المبادرة لعمل عسكري ضد دولة عضو في الناتو، هي ليتوانيا، أو الانكفاء والتسليم بنجاح الناتو بتوجيه صفعة للمهابة الروسية.
– كالينينغراد هي مدينة عملياً تقع على بحر البلطيق وتتبع لروسيا رغم انفصالها عنها جغرافياً، وتربطها بها شبكة سكة حديد تمرّ عبر ليتوانيا، قامت الحكومة الليتوانية بإخضاع القطارات العابرة بينها وبين موسكو للتفتيش ومنع عبور البضائع التي تطالها العقوبات الأوروبية، مهددة الوحدة التجارية والسياسية للأراضي الروسية، وبسرعة تحول القرار الليتواني الى كرة نار تتدحرج بين روسيا والناتو، فقد أعلن عدد من المسؤولين الدبلوماسيين والعسكريين في موسكو أن الرد سيصدر قريباً على الخطوة الليتوانية، وانه لن يكون دبلوماسياً، بل بجملة إجراءات عملية، رجح كثير من الخبراء أن تتمثل بعملية عسكرية محدودة بإنشاء جيب روسي بين حدود بولندا وليتوانيا حيث يعبر خط سوالكي للسكك الحديدية، الذي يربط موسكو بكالينينغراد عبر روسيا البيضاء كخط رديف للخط الأصلي الذي يعبر وسط ليتوانيا، والأميركيون وقادة الناتو وجهوا بالمقابل تحذيرات لموسكو من أي مساس بسيادة ليتوانيا، والاستعداد لتفعيل المادة الخامسة من ميثاق حلف الناتو باعتبار أي تعرض لدولة عضو في الحلف بمثابة مواجهة مع الحلف كله.
– قد تفاجئ روسيا حلف الناتو بالاستعاضة عن العملية العسكرية الجراحية السريعة، بتحويل الدعسة الناقصة الليتوانية، الى مدخل لحركة بحرية عبر بحر البلطيق، الذي تطل عليه روسيا من أقصى الشمال، وتتشارك ضفته الغربية مع استونيا ولاتفيا وليتوانيا كالينينغراد، فيما تقع على ضفته الشرقية فنلندا والسويد والدانمارك، فتنشر سفنها البحرية في البلطيق، وتعلن إصدار عقوبات على ليتوانيا، وربما سواها، وتكلف سفنها البحرية بتفتيش السفن الذاهبة الى ليتوانيا أو سواها والخارجة منها لتطبيق العقوبات الروسية، أسوة بما تذرعت به ليتوانيا من تطبيق العقوبات الأوروبية على روسيا، ويكون على حلف الناتو أن يختار بين تحمّل الصفعة، أو دخول حرب شاملة من بوابة لا غطاء قانونيّ لها بموجب الفصل الخامس من ميثاق الحلف، حيث لا يكون قد وقع اعتداء على أي من دول الحلف، وسيكون على الحلف اعتبار الخطوة العسكرية الروسية في البلطيق استفزازاً، وأن يرد عليها بالمثل باستفزاز مشابه، فيسرّع على سبيل المثال ضم فنلندا والسويد إلى عضويته، وهو ما ينتظر الموافقة التركية، العالقة في حسابات تجارية ترجح كفة علاقتها بروسيا، مثلتها سفن الحبوب التي أبحرت أمس من ماريوبول، علماً أن ضمّ السويد وفنلندا للناتو قد يجعلهما خاضعتين بالعقوبات البحرية الروسية في البلطيق.
– في كل خطوة يريدها الغرب لمحاصرة روسيا او إضعافها، سيجد أن موسكو بقيادة الرئيس فلاديمير بوتين قد سبقته بخطوتين، تماماً كما حدث في العقوبات المالية التي تحولت باباً لمعادلة الغاز بالروبل على أوروبا، وبدأت تشدّ على خناقها.
– تفادي الحرب على ضفة الناتو أعلى بمراتب منه على ضفة روسيا، لكن المواجهة تتصاعد، والسباق هو على مَن يدفع الآخر للقيام بالخطوة الأولى ويتحمل المسؤولية؟