هرطقة المراهقين…
} عبّاس حيّوك
انتهت السّكرة عند الناخبين اللبنانيين أمام قانون مسخٍ هجين وأتت الفَكرة مع ترسيخ وتثبيت معاناة الأزمات الضخمة المتوالية… وما زالت السّكرة هي المسيطرة على الطبقة السياسية والطائفية بهرطقاتها ومراهقاتها وصفقاتها ومزايداتها المتلازمة مع أجندة الانهيار الشامل الذي بدأته منذ عقود ولا تزال وكأنّ شيئاً لم يكن.. فكانت النتيجة بكلّ أزمةٍ كرة ثلج هائلة تكبر عادة لفترة طويلة الأمد وتتقلص بعضاً ما لأسابيع قليلة ومن ثم الإعادة من جديد لأجل غير مسمّى وإلى ما لا نهاية…
تأمّل اللبنانيون خيراً بعد انتهاء الحرب الأهلية وإقرار اتفاق الطائف إلا أنّ الطائفية والفئوية والشخصية وحب الذات والـ «أنا» والسمسرات والتسويات والصفقات… كلّ ذلك حالَ دونَ انتظام المؤسسات وديمومتها فنخرَ الفساد وإلإفسادُ عميقاً في معظم المؤسسات بفضل ارتهان غالبية هذه الطبقة أمام فسادها الجلّي والواضح… وتعاونت المنظومة المصرفيّة وحاكمها وطبقة الفساد السياسيّة والطّائفية وتمّ التحالف مع المحتكرين وكارتيلات النفط والأدوية وكبار التجار… فتشكّلت الشبكة العنكبوتية المتينة التي لم يستطع أحد مواجهتها، فكان الأمر الواقع وِبالاً على المواطن وكارثة على الوطن وانهياراً لا مثيل له في المنطقة بل العالم… وكله برضا ورعاية الهيمنة العالمية على لبنان لا سيما الأميركية…
وما زاد في الطين بِلّة خلال كلّ هذه الفترة تفريغ القوانين من مضامينها وعدم تطبيق القانون وعدم المساءلة والمحاسبة، فانتشر الفساد بشكل غير مسبوق وعمّت الفوضى واستفحلت الجّرائم وتعمّمت كافّة أشكال السّلب والنهب والسرقة والخطف والقتل والعنف بدم بارد… ولا تزال هذه الطبقة متشبّثة بممالكها ومزارعها وغير مستعدّة لمُراجعةٍ ذاتيّة تصوّب المسار وتعتمد الإصلاح أكان من خلال قانون الانتخاب أو التعيينات واللامركزية الإدارية ومكافحة الفساد والكابيتال كونترول والتدقيق المالي والجنائي واستعادة الأموال المنهوبة والعمل الحثيث والسريع لإعادة النازحين السوريين إلى آخره… وتعديل المرسوم ٦٤٣٣ واعتماد الخط ٢٩ الذي أقرّه الجيش اللبناني حيث أنّ عدم توقيعه وتوثيقه هو بمثابة تخاذلٍ وتواطؤ، وبالتالي فإنّ إقراره وتوثيقه واجب وطني ورافعة جبّارة بالتزامن مع عظمة وقوّة ردع المقاومة حفاظاً على الخط ٢٩ بكافة المقاييس الإقليمية والدولية قوّة وقانوناً …
للأسف إنّ هرطقة ومراهقة ومزايدة هذه الطبقة السياسية والطائفية لن تتوصل لتشكيل حكومة وسيكون لدينا فراغ رئاسي حتمي إلاّ إنْ حصلت معجزة أو تسوية إقليمية دولية وهي مستبعدة تماماً… وإنْ حصلت فهي على حساب لبنان واللبنانيين كما جرت العادة… أما بخصوص لُعبة الدولار فالكل باتَ مقتنعاً بأنّ رفعهُ وخفضه بسرعاتٍ جنونية مرّات ومرّات، وسيبقى كذلك، إنما هو لُعبة قذرة لاستنزاف الاحتياط وأموال المودعين في كلّ مرة بسحب عشرات ملايين الدولارات من المواطنين وشراء المواطنين ما تيسّر بعد رفعه وهكذا دواليك في كلّ مرّة فتكون النتيجة إفلاساً وانهياراً شاملاً لتأتي بعدها نغمة الخصخصة ثمّ بيْع أصول الدّولة ومن ثمّ بيع الذّهب، والنتيجة في ما بعد مؤتمر دولي لانتشالنا من قعر جهنم جزئيّاً مقابل سطوة العدو على نفطنا وغازنا وتوطين النازحين، وإذا أمكن تحجيم المقاومة وتحجيمها وهذا غير متوفر…
لذا فإنّ المنطق يقضي لتلافي دمار الهيكل على الجميع وتلافياً لحرب مجتمعية أخطر من الحرب الأهلية تكليف رئيس حكومة مصغرة قد يصلح لها رئيس الحكومة السابقة حسّان دياب على أن لا تتعدّى العشرة وزراء بينهم وزارة سيادية للتخطيط يكون عِمادها قانون انتخاب للنسبية دائرة واحدة خارج القيْد الطّائفي وتخفيض سنّ الاقتراع إلى ١٨ عاماً وفصل النّيابة عن الوزارة وقانون تجريم التطبيع مع العدو الصّهيوني والتوجّه شرقاً لاعتماد آلية bot واعتماد مهلة زمنية للاستشارات اللاحقة ولتشكيل الحكومات واعتماد الإصلاحات التي ذُكرت أعلاه وغير ذلك فهو جعجعةٌ بِلا طحين…