هل تشكل زيارة بايدن مشروع حرب؟
– كثيرة هي التقارير الغربية، والعربية أكثر منها، التي تمهد لزيارة الرئيس الأميركي جو بايدن الى المنطقة، والتي ستشمل فلسطين المحتلة والمملكة العربية السعودية، تحت شعار بناء حلف عسكري يضم دول الخليج والعراق والأردن وتركيا مع كيان الاحتلال بقيادة أميركية، لتقول إن الزيارة تأتي في سياق بلوغ المفاوضات مع إيران حول ملفها النووي طريقاً مسدوداً، ونجاح “إسرائيل” بإقناع الرئيس الأميركي بخيار الحرب على إيران كبديل واقعي لإنهاء خطر بلوغها المرحلة النووية الحرجة المتمثلة بإمكانية اقترابها من امتلاك سلاح نووي، ويضع هؤلاء كل أوجه التصعيد وانسداد آفاق التسويات في المنطقة ضمن إطار الأدلة على الاستعداد للحرب، ويقرأون اللهجة الإسرائيلية وما يرافقها من مناورات مشتركة مع الأميركيين، وعمليات استخبارية كإثبات لا يقبل النقض.
– هذا الاستنتاج الذي يبدو مترابط المفاصل متكامل العناصر، يجب فحصه على قاعدة الممكن وليس المرغوب. فالرغبة الأميركية الإسرائيلية بالتخلص من قوة إيران وقوى المقاومة ليست موضع نقاش، بل مدى قدرة هذا الثنائي ولو نجح بحشد حلفائه الذين سيحضرون قمة الرياض، لصالح خطة الحرب، وقد سبق له النجاح بحشدهم في الحرب على سورية، التي لو انتصر فيها لفرض شروطاً مختلفة لكل توازنات المنطقة، وفي مقدمتها مكانة إيران وحدود قوتها، ومستوى تأثير حركات المقاومة على أمن كيان الاحتلال، ولكن المطلوب لمنح فرضية النصر فيها يومها كان الاستعداد الأميركي للانخراط المباشر في الحرب، سواء بالغزوة التي تم إعدادها خلال ولاية الرئيس باراك اوباما وجاءت الأساطيل الأميركية الى البحر المتوسط لخوض غمارها ثم عادت كما جاءت، او خوض معركة توفير الحماية للجماعات المسلحة الإرهابية التي كانت تسيطر على منطقة الغوطة وجنوب سورية، وكان يكفي ربط قاعدة التنف بالغوطة في مساحة صحراوية نموذجية للحروب على الطريقة الأميركية، لقطع سورية الى نصفين منفصلين وتوفير شروط غلبة لصالح الحلف الذي تقوده واشنطن. وتكرر الأمر في عهد الرئيس دونالد ترامب، وتكرر الإحجام الأميركي عندما هرب من تبني خيار انفصال كردستان العراق للتواجد على مسافة صفر في المواجهة مع إيران، بعدما قررت كردستان الانفصال ثم تراجعت بعد التحقق من التخلي الأميركي، وحدث كل ذلك لأن واشنطن تدرك قوانين الحرب وتعرف أثمانها، وقرار الرئيس بايدن بالانسحاب من أفغانستان يقدم ما يكفي من الأجوبة، كما قرار الرئيس ترامب بالامتناع عن الرد عند إسقاط طائرة التجسس العملاقة من قبل إيران، وتحمل صفعة قصف قاعدة عين الأسد من قبل إيران دون رد، تعبير عن ان لا شيء يتغير في هذا المجال بين إدارة وأخرى.
– السؤال هو هل التغييرات التي حدثت منذ ذلك التاريخ تصب في صالح خيار التشجيع على خوض الحرب أم المزيد من المحاولات لتفادي الوقوع بها، والانسداد في التفاوض النووي كان في عهد ترامب أشد وأقوى، والتصعيد على جبهات غزة ولبنان واليمن كانت وتائره أعلى مراراً، لكن الذي تغير أن إيران زادت قوة، وان قوى المقاومة صارت تملك تفوقاً استراتيجياً على الكيان أظهرته معركة سيف القدس، وبالمقابل كيان الاحتلال في أوضاع داخلية وعسكرية تزداد سوءاً، وتجربة حرب اليمن انهكت دول الخليج والسعودية خصوصاً، والواقع الفلسطيني يقول إن التطبيع فشل في إحباط الفلسطينيين، أما أميركياً فماذا تغير عن ظروف قرار الانسحاب من أفغانستان، سوى المزيد من الهروب من التورط المباشر في الحروب، كما أظهرت حرب أوكرانيا، حيث لا يزال التحدي الذي تفرضه روسيا بعنوان واحد، التفرد في الملعب العسكري كنتيجة للهروب الأميركي والغربي من ساحة الحرب. وها هي الحرب مع روسيا التي تخوضها واشنطن بواسطة الأوكرانيين وتكتفي بمدهم بالمال والسلاح، تسير باتجاه محسوم لصالح روسيا، بعد الفشل الأميركي والغربي بجعل العقوبات ميداناً لتعويض الخسائر العسكرية، قبل ان تنجح روسيا باحتوائها وتحويل نتائجها العكسية، عبر حرب الغاز على أوروبا الى سبب لأزمات متعددة تهدد الاستقرار وقدرة الصمود الأوروبي.
– كل شيء يقول إن بايدن آت تحت غبار خداع بصري عن الاستعداد للحرب، للتلاعب بمواقف دول الخليج وحشدها كبوليصة تأمين لأمن كيان الاحتلال، في أية مواجهة مقبلة، بعدما قالت تداعيات حرب أوكرانيا إن دول الخليج وفي مقدمتها السعودية بدأت تفكر بتموضع وسطي تحسباً للمتغيرات الناجمة عن ضعف أميركا وتراجع مكانتها.
– السؤال الذي يجب أن يوجهه حكام الخليج الى بايدن قبل توقيع أي اتفاقيات يطلب منهم توقيعها، هو لماذا لا تحسم أميركا القوية الحرب في أوكرانيا؟ وهل الحرب المفترضة مع إيران أهون من الحرب التي غادرتها واشنطن في أفغانستان؟
– الوقائع تقول إن واشنطن تستعد لتوقيع الاتفاق النووي مجدداً مع إيران، وزيارة بايدن هي لتوفير أفضل شروط الأمن لـ”إسرائيل” من جيوب دول الخليج، قبل السير بالتوقيع.