أميركا تخسر آخر أوراق هيمنتها… وبايدن يقع في الفخ الذي نصبه لموسكو
} حسن حردان
هل خسرت الولايات المتحدة آخر أوراق هيمنتها، وهي الورقة الاقتصادية، ووقعت في الفخ الذي نصبته لروسيا في أوكرانيا؟
هذا السؤال الذي بات يُطرح اليوم على ضوء تطورات العملية الروسية في أوكرانيا، ونتائج العقوبات الاقتصادية الغربية التي فرضت على روسيا…
انّ رهان الغرب منذ البداية كان على إضعاف روسيا اقتصادياً من خلال العمل على استنزافها في أوكرانيا من ناحية، وفرض العقوبات الاقتصادية وعزلها دولياً لتأليب الشعب الروسي ضدّ رئيسه فلاديمير بوتين وإسقاطه من الداخل من ناحية ثانية..
لكن ما حصل كان العكس تماماً، فهذا الفخ الذي نصبته إدارة الرئيس الأميركي جو بايدن لروسيا في أوكرانيا، ودفعت الدول الغربية إلى شنّ حرب اقتصادية ضدّ روسيا، سرعان ما وقعت فيه واشنطن وحليفاتها الغربيات.. حتى أنه يمكن القول انّ السحر انقلب على الساحر..
هذه الخلاصة التي يمكن أن يخرج بها أيّ مراقب أو محلل سياسي للتطورات الحاصلة في أوكرانيا وتداعياتها الاقتصادية على كلّ من روسيا والغرب، والتي لخصها الرئيس الروسي بوتين في كلمته أمام منتدى سان بطرسبورغ الدولي بإعلان انتهاء عهد أو زمن القطبية الأحادية، وفشل العقوبات الاقتصادية الغربية ضدّ روسيا وارتدادها على الغرب الذي خسر حتى الآن 400 مليار دولار، فيما جنت روسيا في 100 يوم 93 مليار يورو… وأصبحت الصورة في الغرب قاتمة اقتصادياً، وتتجسّد في ارتفاع كبير بأسعار الطاقة والغذاء وزيادة التضخم وتدني القدرة الشرائية للأميركيين والغربيين، في مقابل انتعاش الاقتصاد الروسي وتحسن في قيمة الروبل الذي تحوّل إلى عملة عالمية بعد فرض تسعير الغاز والنفط والمعادن وغير من المواد التي يشتريها الغرب من روسيا، بالروبل، الذي بات سعره مقابل الدولار دون ال 60 روبل، في حين كان عشية بدء العملية الروسية في أوكرانيا وفرض العقوبات الغربية نحو 70 روبل للدولار الواحد، وبلغ الروبل نحو 140 مقابل الدولار في بداية العملية العسكرية وفرض العقوبات… بهذا المعنى فإنّ النتيجة: اقتراب روسيا من تحقيق أهداف عمليتها العسكرية في شرق وجنوب أوكرانيا، وكسب اقتصادي، في حين خسر الغرب رهانه على إضعاف روسيا، وبات هو من يعاني من الأزمة الاقتصادية بسبب العقوبات التي فرضها ضدّ روسيا.. وتحوّلت الحرب في أوكرانيا إلى حرب استنزاف للغرب..
لذلك فإنّ كلّ من تابع الرئيس بوتين وهو يلقي كلمته أمام منتدى سان بطرسبورغ لمس انه كان أمام قائد يحتفل بالنصر على الغرب، ويعلن سقوط زمن الهيمنة الأحادية، وتلاشي طموحات الغرب الزائفة، والتي باتت أوهاماً من الماضي.. انّ الغرب لم يدرك أو سها عن باله بأنّ روسيا ليست لقمة سائغة، وأنها ليست دولة ضعيفة من دول العالم الثالث كي يعزلها ويحاصرها ويخضعها لهيمنته. فروسيا أكبر دولة في العالم من حيث المساحة، 17 مليون كلم مربع، وتملك ثلث ثروات العالم من المعادن والغذاء والطاقة، ولديها ثاني أقوى جيش في العالم إذا لم يكن يوازي بقوته قوة الجيش الأميركي، كما تملك أحدث الأسلحة المتطورة والصواريخ الفرط صوتية إلى جانب ترسانة ضخمة من الأسلحة النووية.. وهي إلى جانب ذلك لديها تحالفات دولية تشكل محوراً كبيراً وقوياً عسكرياً واقتصادياً في مواجهة الغرب. وبالتالي فإنه يستحيل ان ينجح الغرب في عزل روسيا ومحاصرتها…
لقد شكل انعقاد منتدى سان بطرسبورغ الدولي في روسيا في هذا التوقيت بالذات، صفعة للغرب، ودليلاً على انتقال مركز الثقل في الاقتصاد العالمي من الغرب الى الشرق.. كما أنّ انعقاد هذا المنتدى الدولي في روسيا في ظلّ العقوبات الغربية، إنما يشكل أيضاً مؤشراً قوياً على سقوط هذه العقوبات وفشلها.. ولهذا باتت الصورة واضحة، بوتين يحتفل في المنتدى الدولي بانتصاره على الغرب، والرئيس الأميركي جو بايدن يبحث عن سبل الخروج من المأزق الذي أصبح عالقاً فيه نتيجة ارتفاع أسعار الطاقة والغذاء وزيادة التضخم في أميركا، وتراجع شعبيته إلى مستويات كبيرة عشية الانتخابات النصفية في الولايات المتحدة، ولهذا عمد مع فريقه في البيت الأبيض إلى التحضير لزيارة السعودية وكيان الاحتلال الصهيوني في تموز المقبل، في سياق محاولة لاسترضاء ولي العهد السعودي محمد ابن سلمان بغرض الاستعانة به لزيادة إنتاج النفط بغية خفض أسعاره الملتهبة في السوق ومحاولة تعويم شعبيته لدى الأميركيين مع اقتراب موعد الانتخابات.. وكذلك العمل على تحقيق مصالح كيان الاحتلال الصهيوني عبر المزيد من الانفتاح في المنطقة وإقامة التحالفات الأمنية بينه وبين بعض الأنظمة العربية، في مواجهة إيران الثورة، بهدف كسب تأييد اللوبي «الإسرائيلي» في الداخل الأميركي…
من هنا يمكن القول انّ الأزمة اليوم أصبحت في الغرب، وأميركا، في حين أنّ روسيا تزداد قوة وتفرض حضورها القوي على الساحة الدولية وتلقن الغرب الدرس تلو الآخر، وتثبت مع حلفاءها انّ العالم بات متعدد الأقطاب والمراكز، وانّ زمن الهيمنة الأحادية قد سقط وولى إلى غير رجعة…