تشكيل الحكومة«طبخة بحص»…؟
} علي بدر الدين
لا يتوقعنَّ أحد أنّ طريق تأليف الحكومة ستكون سهلة ومفروشة بالورود الموعودة من القوى السياسية التي تسمَّي نفسها تارة موالاة، وتارة أخرى معارضة، وطوراً مستقلة وتغييرية، وفق المشهد السياسي القائم والمتوقع، ومتغيّراته ومتطلباته، حيث تتفق هذه القوى أو بعضها حيناً وتختلف حيناً آخر في المكان والزمان المناسبين لها للإمساك أكثر بزمام السلطة ومقودها، وللسيطرة وتقاسم السلع السلطوية، لأنّ ما يجمعها يفوق ما يفرقٌّها، خاصة أنّ السلطة والمال والمعايير والشروط والمصالح المختلفة، وإنْ بدت متناقضة بعض الشيء، فإنها تشكِّل لمعظمها القاسم المشترك، وهي بسببها ومن أجلها فقط، «ينفخت الدف ويتفرَّق العشاق»، ويضطر كل فريق منها لضروراته وحساباته الخاصة، ان «يغنِّي على ليلاه» ومصالحه ومكاسبه لبعض الوقت، وفق منطق الربح والخسارة والفائدة المرجوّة من أيّ حدَثٍ سياسي أو اقتصادي أو مالي أو سلطوي، أو في أيّ استحقاق حكومي أو دستوري أو انتخابي، ويترجم مرحلياً بتشكيل الحكومة بعد تسمية رئيس حكومة تصريف الأعمال نجيب ميقاتي للقيام بهذه المهمة الشاقة، وإنْ كانت بأرقام متواضعة وخجولة عن سابق قصد وتعمُّد وتنمُّ عن استلشاق وخفَّة وعدم ثقة وجدِّية من بعض القوى بقدرة المُكلَّف على التأليف، وقد وصلته رسالة التكليف «بوضوح وشفافية»، من قوى سياسية عبرَ كتلها النيابية القديم منها والمُحدَثة ومن «شتات» النواب.
ما حصل خلال الاستشارات النيابية الملزمة في قصر بعبدا لتسمية المكلَّف بالتأليف، لم يكن بريئاً وعفوياً، ولا يمكن إدراجه في إطار اللعبة الديمقراطية، ولا في حرية الاختيار، بل كان مدروساً ومتقناً بإحكام وعن سابق اتفاق ضمني بين أكثر من فريق سياسي ونيابي لتوزيع «الأصوات» بين إسمي التكليف، مع أنّ تسمية الرئيس ميقاتي وتأمين الغلبة له كانتا محسومتين قبل الاستشارات وخلالها، ولكن أريدَ لها أن تأتي وفق الخطة المرسومة، وتحديداً العدد الذي أدّى الى نتيجة غير مطمئنة لما هو آتٍ على صعيد التأليف، الذي تكمُنُ فيه شياطين تفاصيل الشروط والحصص والحقائب والأسماء والأحجام، وحتى شكل الحكومة ونوعها وحجمها، وهل ستكون حكومة «وحدة وطنية» متجانسة او «تكنوقراط» او مختلطة، لا طعم لها ولا رائحة، ام أنها ستشكل على طريقة «هات إيدك والحقني» وتجمع من كل كتلة او من بعضها عصا لتمرير الوقت وإشغال الناس وإلهائهم عمّا هم فيه من فقر وقلَّة وجوع ووجع وذلّ…!
وحتماً سيدور النقاش طويلاً عن حجم هذه الحكومة، هل ستكون، مصغًّرة أو متوسطة ام موسعة؟ وماذا عن بيانها الوزاري الإنشائي الذي سيستفيض النقاش والتجاذب حوله من دون تنفيذ حتى بعض مواده وبنوده، كما يحصل عادة في كلّ الحكومات التي تشكلت على الأقلّ في العقود الثلاثة الأخيرة.
هذه التعقيدات وغيرها التي تسبق وتواكب عملية التشكيل موضوعة كلها على طاولة الرئيس المكلَّف، وهو يعرفها جيداً، وقد خبرها وعانى منها في حكوماته الثلاث التي شكلَّها وترأسها، ولكنه يعتقد بل يعلم جيداً أنّ الحكومة الرابعة التي هو في صدد محاولة تشكيلها هي الأعقد والأصعب، لاعتبارات عديدة من أهمّها نسبة «الأصوات» القليلة التي نالها في الاستشارات النيابية، وهي الأدنى في تسميته لتشكيل حكوماته السابقة، ومقاطعة وعدم تسميته من كتل نيابية وازنة سياسياً وطائفياً وحجماً، ولقصر عمر الحكومة إذا ما نجح بتخطي الألغام والضغوط والشروط والأفخاخ المنصوبة له في توقيت قريب من باب استحقاق انتخاب رئيس جديد للجمهورية، وهذا وحده مؤشر كافٍ لـ «لخربطة» وللحسابات السياسية والضغوط الداخلية والخارجية التي تسبق وتواكب هذا الحدث الدستوري الذي يبدو أنه الموقع السلطوي الأول والأهمّ في البلد.
أمام هذه الوقائع والمعطيات والمؤشرات والموانع الكثيرة التي تواجه الرئيس المكلف، وقد تعيق حركته وتحول دون تسهيل عملية التأليف، فإنه يجهد للبحث عن مخرج يعتقد أنه آمن علَّه يخرجه من دوامة الجولات والصولات والمسايرات ودفع «الرشوات» في الحقائب وغيرها، ويوفِّر عليه تقديم وعود استرضائية غير قابلة للتنفيذ لهذا الفريق السياسي او ذاك. لذلك يحاول اختصار الطريق أمام التشكيل المحكوم افتراضياً بالفشل، ويبدو أنه وجد ضالته بطرح تعويم حكومة تصريف الأعمال مطعَّمة وملقَّحة ومعدَّلة، وبتبديل بعض الحقائب وعدد من الوزراء، في محاولة منه قد تصيب أو تخيب، مع أنه يدرك أن دون ذلك عقبات وتعقيدات وموافقات وتواقيع.
هذا لا يعني إذا صحَّ ما يتمّ تداوله حالياً حول جدَّية هذا الطرح، أنّ الطريق أمامه ستكون سالكة وآمنة، وأن تشكيل الحكومة ميسّر وأنّ الحقائب والأسماء أصبحت في «الجيبة»، بل على العكس تماماً فإنّ تسويق طرحه، يحتاج إلى نفس الطرق التي يسلكها عادة أيّ رئيس مكلَّف بتشكيل أيّ حكومة من دون زيادة أو نقصان.
بصراحة نقول للرئيس المكلّف إنّ طريقك إلى تشكيل حكومة جديدة أو التسويق لحكومة تصريف الأعمال مسدودٌ مسدود، فلا تتعب نفسك وتأمل وتتوقَّع بأنك قادر على تخطي العقَد وتجاوز هذا الكمًّ من العقبات والشروط، أو نزع الألغام وإبطال مفعول صواعقها، أو تلبية الشروط وتحقيق المصالح لشركائك في المنظومة السياسية، التي أنت جزء فاعل منها، وقد «عجنتم وخبزتم وأكلتم معاً» بالتكافل والتضامن والتفاهم، وحرمتم الشعب من كلّ حقّ له حتى من ربطة الخبز.
كلّ الدلائل التي تعوم على أسطح هذه المنظومة أو معظمها على الأقلّ، توحي بأن لا حكومة جديدة أو مجدَّدة في الأفق، ولن تبصر النور قبل الاستحقاق الرئاسي إذا ما حصل في موعده الدستوري. والحقيقة الثابتة حتى ذلك التاريخ هي أنّ الفراغ الحكومي سيكون سيٍّد الموقف، إلاّ إذا حصلت معجزة، وقد ولى زمن المعجزات، ولأنه لا مصلحة لقوى السلطة وغيرها في ركوب مغامرة المشاركة في حكومة ستكون عاجزة عن فعل ايّ شيء لقصر مدة صلاحيتها، لا سيما أنّ موعد الاستحقاق الرئاسي على الأبواب والجميع بدأ بالتحضير له.