مرحلة ما بعد المواجهة الأطلسية الروسية…
} رنا جهاد العفيف
تغيير جذري وشامل يطال توازنات إقليمية، تزامناً مع زيارة الرئيس الأميركي جو بايدن إلى المنطقة، وتحالف جديد يتضمّن تشكيلات عسكرية جديدة، ضد محور المقاومة، بدأ بالهمس ليظهر علناً بإعلان ملك الأردن عبدالله الثاني عنها بتوليه مشروع بين دول متشابهة في التفكير، وذلك على قناة تلفزيونية رسمية، تحدث عبرها عن «ناتو شرق أوسطي»، توثق علامات استفهام كثيرة حول هذا الجدل، فما حاجة «إسرائيل» والمطبّعين لمثل هذا التحالف؟ وهل هناك حقاً جدية في الطرح، وأيّ مخاطر يحمل هذا التصريح وما يتبعه من خلفيات دولية على مستوى المنطقة في ظلّ عسكرة التطبيع مضموناً وشكلاً؟
في سياق مقابلات أثارت جدلاً واسع الطيف، في المصطلح وما يعنيه الطرف الآخر، عن حلف شبيه بالأطلسي، وليس عربياً كما قيل سابقاً، على العكس تماماً فهو أشبه بنسخة اوسطية، تتعلق بـ «إسرائيل» لاندماجها بالمنطقة، ككيان، إلا أنّ هناك مؤيدين لفكرة طرح ملك الأردن مجيباً عن سؤال بشأن إيران.
وعلى ذكر «إسرائيل» وايران في المقابلة تحدث الملك عن دور إيران في المنطقة، وعلامات الإرباك تلوح بالأفق، حول الصراع «الإسرائيلي» ـ الفلسطيني، وعن «التعاون في الشرق الأوسط كما سماه، فيما قوى المقاومة تحذر من مخاطر الأحلاف العسكرية التي تهدف إلى دمج «إسرائيل».
مقابل ذلك كشفت مسار التطبيع جراء تسريب الملك الأردني لتوليه المشروع، إذ اللافت في الموضوع توقيت التصريح الذي جاء مع إعلان استئناف المفاوضات النووية، ولدور إيران في المنطقة، وعليه قراءة المشهد السياسي بوضوح ودقة، إذ تسعى واشنطن إلى عملية اصطفافات سريعة، بتشكيل تحالفات عسكرية إقليمية، لمواجهة تداعيات ما بعد الحرب الأطلسية ـ الروسية في أوكرانيا، وهذا كان له وقع سياسي على المستوى الأمني والعسكري على سياسة «إسرائيل» داخلياً تسبّب بانهيار كبير وانقسامات أدّت إلى انتخابات مبكرة، بينما سياسياً على الدول المطبّعة معها، أن تحميها من الإسقاطات الحرة بعد محاولات عدة باءت بالفشل، لتسعى واشنطن بذلك لإحياء الاتفاق النووي، كحاجة ملحة في السياسة «الإسرائيلية»، بتشكيل ناتو شرق أوسطي، بهدف المواجهة، مع محور المقاومة وعرقلة خطوات بوصلة المقاومة…
فلسطينياً تدرك المقاومة أبعاد وخطورة هذا التحالف العسكري المطروح بصيغته، وتجاوز خطورة الأمر هذا، قد ينشب تصعيد ومواجهة، فإسقاط التطبيع بخطوطه الحمر تجاه «إسرائيل»، لم يعد من المحرّمات، وإنما من الضروريات اليوم، لأسباب تتعلق بالتمدّد «الإسرائيلي»، بعد ترحيب ملك الأردن بفكرة «ناتو شرق أوسطي» (بين قوسين «إسرائيل» ركن أساسي فيه) وإلا لما طرحته «إسرائيل» أيضاً، وكانت قد تحدثت عن حلف ناتو دفاع جوي، والآخر يشترط بوضوح التحالف بدقة، وهذه نقطة مهمة بالغة الأهمية نعرف خلالها ما الذي يجري.
وطبعاً ليست الفكرة جديدة، ولكنها قديمة حديثة، بعيدة عن الواقعية، لأنّ فكرة «الناتو العربي» هي لعبة تحالفات لإبقاء الاحتلال، الهدف منه اختصار «الأمن القومي العربي» في «أمن إسرائيل»، ناهيك عن تهافت المطبّعين ومن معهم عسكرياً مع «إسرائيل» لإبادة الشعب الفلسطيني والقضاء على كلّ من يقف مع القضية الفلسطينية، وهذا تجريم دولي بحق الإنسانية، ندين بها المجتمع الدولي برمّته، للإيحاء بقضية تمسّ «الهوية الفلسطينية تاريخياً ودينيوياً»، لها هيبة سياسية جعلت من الأنظمة العربية تقوم بتغيير سياستها لطمس معالمها، فكان وقع الخيار على الاستقطاب الأمني والعسكري، ناتج عنه دعوة أميركية وتحديداً لإدارة بايدن، لاستقامة تحالف ما بين دول عربية و»إسرائيل»، متضامنة مع الولايات المتحدة لماذا؟
للانتقال من مرحلة التطبيع الجزئي ليصبح تطبيعاً شاملاً، يقتضي التنويه من خلاله دمج «إسرائيل» في المنطقة، شرط أن تكون لاعباً أساسياً تحمي جميع المطبعين، من خلال تطبيق نظرية ترامب، الترشيق بالترشيق، وإقامة حلف ناتو اقليمي وليس دولياً، الهدف منه ضرب استقرار المنطقة وخلق فوضى جديدة تعم البلاد والعباد…
وعلى غرار ذلك يراقب خبراء مدى جدية هذه الفكرة، وتصوّرات المشهد العربي، التي عنونها البعض على أنها تمثل الجدية، وقد تنذر بعضها البعض الانخراط بالتصعيد، ولكن حقيقة الأمر تعكس صورة الأمر من ناحيتين، الأولى العلانية التي صرّح بها عبد الله الثاني، وهي أقرب للمسرحية والتي تحمل ربما عنوان الحرب النفسية، وهذا محتمل ووارد لأنّ هناك قضايا سياسية منشغلة بها أميركا، تجعلنا نتريّث قليلاً بالإجابة، ونتساءل عما إذا كانت أميركا حقاً متحمّسة لهذا التحالف»
لا تعليق عما يبحث عن فرص تخصّ شأنها السياسي علها تغطي عن عجزها، فعلى سبيل المثال، الحرب الأوكرانية التي لها عوامل مؤثرة على قرارات إدارة البيت الأبيض، والتي ترتكز على التحالف الغربي ضدّ روسيا سبب وجيه ربما غير مقنع للبعض ولكن لا بأس أن نأخذه بعين الاعتبار، لا سيما أيضاً قضية صعود الصين وهذا أمر يهمّ أميركا للغاية وتحديداً بايدن، لذا قد تكون لعبة جديدة ستأخذ العرب المطبعين معها على حين غرة، في سياق ذلك…
هل هناك إمكانية لإقامة تحالفات على مستوى الشرق الأوسط؟ وإنْ حصل فعلاً، نكون قد استمعنا إلى الأمين العام لحزب الله السيد حسن نصر الله في التقرير والموقف، كما سمعنا حركة حماس تقول: نتابع ونوثق. وإلى طهران التي لن تسمح بفرض هيمنة إسرائيلية وأميركية على المنطقة، وكانت قد ادّعت «إسرائيل» عن رادارات لها منتشرة على الأرض، فيما قالت مصادر إعلامية بأنّ الامارات ودول الخليج أرسلت دلائل لطهران بأن لا وجود لأيّ رادار أو نشرها وكلّ ما تقوله «إسرائيل» هو كذب بكذب، فأيّ تحذير يحدّ في المنطقة ما يوازيه، فالمقاومات تقف صفاً واحداً في مواجهة المشروع قبل تفاقمه عسكرياً…