مفاوضات الدوحة: الاتفاق أو الاتفاق!
ناصر قنديل
– تدخل الدول في المفاوضات وبين أيدي صناع القرار فيها أجوبة على ثلاثة أسئلة، وتقرر نوعية الإجابات المتقابلة مصير المسار التفاوضي، وتحدّد الجهة المتفوقة تفاوضياً، وعندما تتكرّر العودة للتفاوض يعاد طرح الأسئلة وفحص الأجوبة، مع إدراك أن الهامش يضيق بوجه الطرف الذي لا تأتي الأجوبة لصالحه، ولم يطرأ تغيير يعدل من وضعه، بل جاءت المتغيرات لتزيد الأجوبة وضوحاً وثباتاً. والأسئلة هي، السؤال الأول هو، ما هو البديل إذا لم تعتمد المفاوضات، والثاني هو، لحساب مَن يعمل الوقت التفاوضي، والثالث ماذا لو فشلت المفاوضات وأعلن فشلها؟
– في الجواب على السؤال الأول كان الجواب الأميركي في بداية المسار التفاوضي قبل التوقيع على النسخة الأصلية للاتفاق، أن بديل التفاوض هو الذهاب الى الحرب، أو الذهاب لتشديد العقوبات، وبعد توقيع الاتفاق عام 2015 والتسليم الأميركي بتراجع خيار الحرب نظراً لمخاطر انفجار إقليمي كبير يعرض أمن المصالح والقوات الأميركية في المنطقة للخطر، ويهدد أمن «إسرائيل» وربما يخرج التهديد عن السيطرة، وبعد الخروج من الاتفاق عام 2018 وحتى تاريخ العودة الى المفاوضات كان خيار العقوبات القصوى، قيد الاختبار، وكانت العودة للمفاوضات إعلان سقوط خيار العقوبات القصوى، لكن خلال المدة نفسها كانت التطورات التي رافقت مواجهات عسكرية أميركية إيرانية سواء في مياه الخليج، أو في إسقاط إيران طائرة التجسس الاميركية العملاقة، أو في الرد الإيراني على اغتيال القائد قاسم سليماني، تقول إن مخاطر خيار الحرب العسكرية تتضاعف، كما كانت المواجهات بين المقاومة وجيش الاحتلال في فلسطين، خصوصاً في معركة سيف القدس تظهر جدية الخطر المترتب على اندلاع الحرب.
– بالمقابل كانت إيران منذ البداية، قبل التوقيع وبعده على الاتفاق الأصلي عام 2015، والغائه عام 2018، تعتبر أن بديل المفاوضات هو المضي في تحقيق المزيد من الاكتفاء الذاتي الاقتصادي، وقد بلغت على هذا الصعيد مرتبة متقدمة بتحويل النفط والغاز الى كهرباء ومشتقات ومواد مصنعة حققت عبرها دخلاً ضخماً بالعملات الصعبة رغم العقوبات، وتجاوزت بها العقوبات في التعاملات التجارية، من جهة، وعملت ثانياً على مراكمة المزيد من القدرات العسكرية من جهة موازية، وبلغت مرتبة عالية في البناء الصاروخيّ المتعدد الأنواع، سواء في الدفاع الجوي والصواريخ البالستية البعيدة المدى، وأثبتت عبر استهداف قاعدة عين الأسد الأميركية فعالية نظامها الصاروخي وعجز منظومة الحرب الإلكترونية الأميركية عن التشويش على النظام الصاروخي الإيراني، وعملت إيران ثالثاً على الاستثمار على تعزيز مقدرات قوى المقاومة في اليمن وفلسطين ولبنان والعراق، وتحوّلت كل قوى المقاومة المدعومة من إيران إلى أرقام صعبة يتجاوز تأثيرها حدود بلادها، ويكفي على هذا الصعيد مثال لبنان واليمن، وعندما خرجت أميركا من الاتفاق عام 2018 أضافت ايران الى بدائلها بديلاً فعالاً جديداً، هو المضي بتفعيل وتسريع برنامجها النووي، لجعل بلوغ العتبة النووية، التي تتمثل بامتلاك ما يكفي من اليورانيوم العالي التخصيب، كماً ونوعاً، لإنتاج سلاح نووي، وبقيت ايران ترفض امتلاك هذا السلاح.
– في الجواب على السؤال الثاني، يسلم الاميركيون ان عامل الوقت ليس لصالحهم، وأنهم في وضع لا يحسدون عليه، فهم منشغلون بالمواجهة مع روسيا والصين، ولا تنقصهم اضافة المواجهة مع إيران، وهم لا زالوا تحت تأثير قرار الانسحاب من أفغانستان، بينما إيران متفرغة لمواجهتهم، وهم في ذروة أزمة موارد الطاقة عالمياً، حيث تشكل إيران أحد الموارد الهامة، وهم يعلمون أن ايران هذه المرة لم تستجب للعبتهم بقبول التوقف عن التخصيب خلال فترة التفاوض، فأصرت على مواصلة التخصيب المرتفع خلال التفاوض، ما جعل القلق الأميركي من نفاد الوقت أعلى بكثير، بعدما كان تعليق الانشطة الايرانية خلال التفاوض يمنح الأميركيين عامل الوقت، ولعل هذا هو أهم ما فعلته حكومة الرئيس إبراهيم رئيسي في تعديل استراتيجية التفاوض، وصارت إيران تتصرف أن كل الوقت معها، وأميركا مضطرة للتصرف أن لا وقت معها، لا في النفط والغاز، ولا في ملاحقة مسار التخصيب.
– في الجواب على السؤال الثالث، ماذا لو أعلن فشل المفاوضات، والجواب هو أنه هذه المرة يعني الفشل فشلاً شاملاً للمسار التفاوضي، وعندها سيكون كافياً لإيران أن تمضي بما تفعله دون تعديل، مزيد من التخصيب، مزيد من بناء القدرة العسكرية، مزيد من الاستثمار على قوة قوى المقاومة وتعزيز حضورها، والافادة بأعلى الامكانيات من أزمة سوق الطاقة وتضييق هوامش أثر العقوبات الأميركية، بينما سيكون على أميركا مواجهة عواقب اعلان الفشل دون بدائل، مع خطر انفجار الموقف في أي جبهة احتكاك وخروجه عن السيطرة، أو توقع صدور خبر عاجل عن امتلاك ايران للقدرة النووية الكاملة!
– عندما تذهب واشنطن الى مفاوضات الدوحة، وقد وضعت أمامها هذه المعطيات، تعرف أنه كان الأفضل لها أن لا تذهب اليها ما لم يكن قرارها، بديل الاتفاق هو الاتفاق.