ترامب ونتنياهو يستعدّان للعودة
ناصر قنديل
– لم يكن فرط عقد الائتلاف الحاكم في كيان الاحتلال منفصلاً عن قرار رئيس الحكومة المستقيلة نفتالي بينيت بالخروج من المشهد السياسي، ولم ينفصل القراران عن تمهيد الطريق لحكومة يمينيّة لا مكان فيها لأمثال يائير لبيد يترأسها بنيامين نتنياهو، وتضمّ حزب بينيت «يمينا» بقيادة وزير الداخلية أيليت شاكيد، التي قالت علناً إن حزبها يسعى للعمل تحت قيادة نتنياهو في أية حكومة مقبلة، بعد تنحّي بينيت، مضيفاً الأصوات القليلة التي يحتاجها نتنياهو لنيل الأغلبية اللازمة لتشكيل الحكومة، في الانتخابات المقبلة أول تشرين الثاني المقبل.
– بالتوازي يستعدّ الرئيس الأميركي السابق دونالد ترامب، الذي يقول الكاتب الأميركي توماس فريدمان، إنه مع نتنياهو يشكلان أخوين سياسيين من أمتين مختلفتين، حيث ترجّح استطلاعات الرأي تقدّم الجمهوريين بنسبة مريحة في التنافس على مقاعد مجلس النواب الذي يسيطر عليه الديمقراطيون حاليًا بأغلبية عشرة مقاعد (222 من أصل 435). أما في مجلس الشيوخ، فتتساوى مقاعد الحزبين (50+50)، مع صوت نائبة الرئيس مرجّحًا. وتتفاوت هوامش التفوق الجمهوري على الديمقراطيين التي تقدّمها استطلاعات الرأي، إذ تصل في بعضها إلى 12.5% (54.4% للحزب الجمهوريّ مقابل 41.9% للديمقراطيين)، لكن التفوق الجمهوريّ يبقى مع أدنى الاستطلاعات تظهيراً لتقدم الجمهوريين فيبقى الفارق لصالح الجمهوريين بـ 2.5% (45.1% للجمهوريين مقابل 42.6% للديمقراطيين).
– يستعدّ ترامب ونتنياهو للاحتفال بالنصر في شهر تشرين الثاني، ففوز الجمهوريين بالأغلبية في مجلسي النواب والشيوخ، قد يفتح الباب كما يقول الخبير بالشؤون الأميركية الدكتور زياد الحافظ لمطالبة جمهورية بمحاكمة الرئيس جو بايدن ونائبته كمالا هاريس، وإقالتهما ليتسلم رئيس مجلس النواب الجديد والجمهوري مهام الرئاسة حتى نهاية ولاية بايدن الإسمية، وحلول الانتخابات الرئاسية التي يتهيأ لها ترامب، والمفارقة هي أن الانطباعات السائدة لدى الرأي العام في العالم بما في ذلك الرأي العام العربي، والرأي العام في أميركا وكيان الاحتلال، أن الديمقراطيين في أميركا واليسار في الكيان هما جماعة الإنجازات الاقتصادية، والتسويات السياسية، ولذلك يكفي فشلهما بهذين المجالين ليتم إسقاطهما. هذا مع العلم أن نسب النمو الأعلى اقتصادياً سجلت في أميركا والكيان في عهود اليمين، بينما أغلب الحروب شنّها الديمقراطيون الأميركيون واليسار الإسرائيلي.
– المفارقة الثانية هي أن نمو اليمين اتجاه دوليّ يحكم المسار السياسي لكل دول الغرب، بينما الاتجاه نحو اليسار يحكم دول الشرق والجنوب، وفي الحالتين لا يتم الأمر بخلفية البرامج الاقتصادية والاجتماعية التي يتمايز بها اليسار واليمين عن بعضهما، بل تحت تأثير مصدر واحد هو “الوطنية المتشددة”، التي يرفع لواءها اليمين في أوروبا وأميركا وكيان الاحتلال، بوجه التعدد والتساكن الاجتماعي والسياسي، مع المسلمين المهاجرين في أوروبا، ومع السود والملونين في أميركا، ومع الفلسطينيين في فلسطين المحتلة بالنسبة لمستوطني الكيان، بينما تتجه شعوب الشرق والجنوب نحو اليسار بصفته حركة تحرّر تواجه المستعمر الغربي، وتحمل راية الاستقلال الوطني، وما تشهده النهضة اليسارية في أميركا اللاتينية من جهة، وثبات القيادتين الاستقلاليتين اليساريتين في كل من روسيا والصين.
– المفارقة الثالثة هي أن الاتجاه نحو اليمين في الغرب والكيان يتزامن مع الشعور بالضعف عسكرياً، وتراجع المكانة الدولية والإقليمية، وصولاً للتسليم بالعجز عن شن الحروب، فيأتي مترافقاً مع ميل انعزالي انكفائي نحو الاحتماء خلف البحار والجدران، والتطهير العرقي العنصري، وبناء الملاذات والغيتوات، بينما يتزامن ويترافق الاتجاه نحو اليسار في دول الشمال والجنوب، مع الشعور بفائض قوة، والاستعداد للمخاطرة بقرارات شنّ حروب، ما كانت واردة في ما مضى، فيقدم اليسار خطاباً عالمياً يعبر عن سعي جاد لطرح تصورات لنظام سياسي ومالي جديد، تفرضه موازين قوى جديدة، كما يقول زعماء روسيا والصين وإيران بوضوح.
– الحقائق والوقائع الاجتماعية والاقتصادية قالت باستحالة توفير شروط الحياة للغيتو المغلق، كما تقول أزمة الطاقة والقمح التي تدفع بأوروبا وأميركا للبحث عن تسويات لتأمين موارد الطاقة والغذاء، والاستحالة التي يواجهها الغيتو، حيث لا وجود لخيار التسوية تنتج مواجهات لا قدرة للسيطرة عليها، كما تقول وقائع المواجهات في فلسطين المحتلة، والمواجهات العنصرية في أميركا وأوروبا، ما يعني أن العالم ذاهب لاضطرابات وحروب، تتخللها تسويات موضعيّة قد تفرضها الحاجة الملحة، لكنها لم تعد حروب الثقة بالقدرة على الهيمنة، بل حروب العجز عن السيطرة على وقائع الصراع.