الفلسفة القوميّة الاجتماعيّة فلسفة المجتمعيّة الراقية
} يوسف المسمار*
فضلاً عن وجوديّة الفلسفة القومية الاجتماعية وواقعيّتها الدنيوية أي يعني اهتمامها بما في الوجود وليس بما هو خارج الوجود، فإنها تقـول بـ «إنسـان ـ مجتمع» وليس بـ «إنسـان ـ فرد» باعتبار أن الفـرد في حـدّ ذاته جزء من المجتمع انوجد بوجود المجتمع. ويعيش ويحيا ويمارس حياته ويكـتسب شخصيـته في إطـار المجـتمع ومـداه، ويستحيل عليه الاستمرار والبقاء خارج المجتمع.
وإنـنا نجزم أن كـل ما توصلنا إليه من معارف يبـرهن ويـؤكد أن الكوكب الذي نعيش عليه هو من حيث تكويـنه وجـريانه واقـع بـيئات جغـرافيّة. وأن البـشــر متـوزّعـون في هـذه البيئات بشكل جماعات وشعـوب. وأن أتمّ متحـد اجتماعيّ بشــريّ هـو متحد الأمــة التي نشأت بتـفاعل الجماعات والمجموعات البشرية في ما بينها وفي ما بين الأرض التي تعيش عليها في بيئتها.
وقد كوّنت هذه الجماعات بفعل تفاعلها على مرور الزمن لكل جماعة شخصيّة اجتماعيّة، ووجداناً اجتماعياً، وعقلية َ اجتماعية، ونفسية ً اجتماعية أكسبـتـهـا بمـرور الـزمـن صـفـات وميـزات وخصائص مـيَّـزتهـا عن غـيرها من الجـماعـات باستـثـناء الصفات الإنسـانية العامـة التي تشترك بها مع غيرها من أبناء نوعها الإنساني.
إن الإنسان ـ المجتمع أو مجتمع الأمة هو الإنسان الكامل الأتمّ الذي هـو الشعب المتولّد من تاريخ ثقافي طويل يعود الى ما قبل الزمن التاريخي الجلي، وليس عصابة هنا، أو فئة هناك، أو طائفة هنالك، أو عدد من أفراد في ناحية أخرى.
إن انفراد أو انعزال كـل جماعة أو فئة أو طائفة أو مجموعة في البيئة الواحدة هو من الأمراض المعرقلة والمعطلة عمليّة التفاعل الموحّد المادي ـ الروحي التي تجعل للمجتمع الواحد قضايا عدة متضاربة متناقضة بدل قضيتها الواحدة التي ينبغي أن تكون قضية سلامة وجودها، وصلاح حياتها، وقضية \استمرار نموها وتقدمها وارتقائها من جميع الوجوه النفسية والفكرية والاقتصادية والسياسيـة والفنية، ليتمكن المجتمع بكامله من التعامل والتعاطي والتفاعل والتواصل مع المجتمعات الأخرى، لتوليد مجتمع النوع الإنساني الذي هو في الحقيقة مجتمع مركب من مجتمعات الأمم الناهضة التي بلغت المستوى الذي يؤهلها من الاشتراك في نشوء الإنسـان ـ العالمي الراقي ويجعلها عنصراً أساسياً في تكوينه.
إن الإنسان ـ العالمي الذي تكشف في الفلسفة المجتمعية القومية الاجتماعية التي وضعها العالم الاجتماعي والفيلسوف انطون سعاده لنهضة أمته لتسعى وتعمل وتصارع من أجل نشوئه ونموه هو إنسان- المجتمعات الناهضة المعافاة المركب من جميع الأمم المتمدنة المتفاعلة فيما بينها والمتعاونة على تحقيق الخير الإنساني العام، والعاملة على توطيد اسلم العلاقات العالمية، وليس إنسان-المجتمعات المتخلفة المريضة، والأمم الشوفينية المتباغضة الي تسير بأحقادها الى الخراب.
إنـه إنســان – المجتمعات الطبيعية. إنسان ـ الأمم الراقية بحضاراتها وليس إنسان – الحكومات والـدول والمنظمات والتكتلات الطغيانية التغطرسية التي تستعبد بعضها بعضاً، وتدمّر بغطرساتها ولا إنسانيتها غيرها من الأمم فتسقط من عالم الإنسانية وتدمّر نفسها.
لقد رفضت هذه الفلسفة التكتلات الفئويّة التجزيئيّة داخل الإنسان ـ المجـتـمع – الأمة، ورفضت أيضاً التـكـتـلات التجزيئية الفئـوية الطغيانية داخـل الإنسان ـ المجتمع ـ العالمي لأن ذلك لا ينفع في بناء عالم سليم ينهض بالبشريّة ويرسخ أرقى القيم وأسماها.
إنها رفضت مجتمع الأسياد ومجتمع العبـيد داخل مجتمع الأمة ورفضت أيضاً مجتمع الطغـاة ومجتمع الخانعين داخل مجتمع ـ النوع الإنسانيّ.
والذي قبلته وتبنته وقالت به هو صراع العقائد والأفكار والثقافات والعبقـريات المجـددة حيوية الجماعات والشعـوب والأمم بالمعارف الفاضلة، والعلوم المفيدة، والفنون الجميلة، والمناقب الأصيلة، والفضائل الراقية التي تبني ولا تدمر، وتوحِّد ولا تفرِّق، وتـُعـِزّ ولا تـُذلّ، وتـُرَقي ولا تـُحِط، وتهدف الى تـلاقي وتعاون المجتمعات الناهضة على مساعدة غيرها على النهوض من أجـل ولادة ونشـوء عـقـل بشـري ممتاز قـوامـه عقليات الأمم الحضارية الناهضة التي تساعدها وتنوّرها وتقوّي إراداتها لمواجهة الكون الماثل أمامنا وسـبر أغـواره واكتشاف ما يمكن اكتـشافه من النـوامـيس والقـوانين الطبيعية، بعقـلٍ مـركب بشريّ بديع يعرف كيف يتعامل مع الأرض والجو والمناخ والبيئة والبحار مع المحافظة على سلامة الكوكب الذي نعيش عليه، وصلاح الكون الذي نحن جزء منه وفيه، ولا وجود لنا ولا حياة ولا استمرار خارج نطاقه.