المرتضى في حفل تكريم الكاتب والفنان الراحل رفيق نجم: الهويّة اللبنانيّة الحقيقيّة هي تلكَ الموصوفةُ بالثقافيّة التي حفِظَت للوطنِ ألقَه وازدهارَه
رعى وزير الثقافة محمد وسام المرتضى حفل تكريم الكاتب والفنان الراحل رفيق نجم تخليداً «لذكراه وإرثه الفنيّ والثقافيّ» الذي أقيم بالتعاون مع بلدية عاليه في قاعة جمعية الرسالة بحضور رئيس البلدية وجدي مراد، الإعلامي غسان جواد وحشد من الفاعليات والشحضيات الثقافية والفنية وعائلة الراحل نجم وأصدقائه.
وألقى المرتضى كلمة جاء فيها: “لم يزلْ رفيق نجم، رفيقَ النجومِ الساهرةِ في ليالي الذاكرة، لم يزَلْ ألقًا في مُقْتبَلِ ضوئِه الذي سطعَ طويلًا على المسارح والشاشات والأقلام والصفحات، قبل أن ينزوي في سكينةٍ مختارَة أقام في ظلالِها حتى ضجرَ قلبُه منها، فرحلَ كأنه لم يرحلْ، بل كَمَنْ مضى إلى ما وراءَ كواليسِ العمر، ليُعِدَّ للفنِّ خشبةً جديدةً يعرضُ عليها مسرحيةَ ما بعدَ الحياة”.
ولفت الى بدايات الراحل الفنية في ظل ازمة سياسية: “منذ أواخر سبعينيَّات القرن المنصرم، كانَ (نجيب) يسأل نفسَه قبل سؤالِه الناسَ: “بالنسبة لبكرة شو؟”؛ إذ كان همُّ الغد مستحوذًا على أبناءِ ذلك الجيل الذين تفتّح نضالُهم المعرفيُّ على حروبٍ ومدافعَ وتقطيعِ أوصالِ دروبٍ وبشر. شبابٌ، كان رفيق نجم واحدًا من أبرزِهم، وجدوا في الفنِّ منجاةً شخصيَّةً ووطنيّة، فراحوا يستبدلون بالرصاصةِ الكلمةَ، وبالدمعةِ الضِّحْكةَ وبالألم الفرح، أرادوا لهم وطنًا جميلًا مسكونًا بالشعرِ والحبِّ والسلام، على الصورة التي استنزلَها الرحابنةُ من عالمِ المثُل، أو تلك التي رسمتها أناملُ مبدعين لبنانيين، لونًا ولحنًا وحرفًا وضربةَ إزميل. فراح الراحلُ المحتفى بذكراه يبتني لمقامِه أمجادًا من ضوءٍ، في أعمالٍ مسرحية وسينمائية وتمثيلية عديدةٍ وراقية، لمعت فيها أسماء كبيرة. وظلَّ منطلقًا من ضوءٍ إلى آخر كراصدٍ أقمارًا في فضاءٍ بعيد، حتى إذا انتصفَتِ التسعينيّاتُ أرخى بيده على وجهه بُرقُعًا من خسوف، واستقالَ طوعًا… من نفسِه وشاشتِه.»
وتابع وزير الثقافة: “لَكَمْ كَثُرَ السؤال عن سببِ هذا الاحتجاب، ليس الجوابُ مهمًّا بمقدار الاعتراف بحقيقةٍ أثبتَها الزمان، أن المبدع إذا تخلّى عن ضوئِه، فضوؤه لا يتخلّى عنه. هذا حدث بتمامه مع رفيق نجم الذي اختفى وهو في قمةِ العطاء، خلف ستارة المسرح وخارجَ إطار الصورة، فإذا به يظهرُ وهو في قمة الوفاء، أمام ستارة الذكرى وملْءَ إطارَ الحنين. وها هوذا الآنَ بيننا حاضرٌ برغم الغياب، كما يضوعُ العطرُ حتى حين يضيعُ الياسمين. ذلك أنه، في أعمالِه لم يبرأْ من وطنه، وفي اعتزالِه لم يتبرَّأْ منه، لذلك مهما انزوى لا يغيب”.
وقال: “يحضرني في مناسبة الذكرى اعتقادٌ ركينُ الأساسات، أن الهوية اللبنانية الحقيقية هي تلكَ الموصوفةُ بالثقافية، وهي التي حفِظَت للوطنِ ألقَه وازدهارَه بالرغم من الخضات الكثيرة التي تناوبَتْه. فلقد بقيت الثقافةُ بمختلِف وجوهها وعناصرِها العنوانَ الصحيحَ للوجود اللبناني ولدورِه في العالم والإقليم”.
وأردف: “وجودٌ لم تؤثِّرْ فيه الصراعاتُ الداخليةُ ولا الاجتياحاتُ العسكرية ولا الأزماتُ الاقتصاديةُ ولا التوتُّراتُ السياسيّة، بل على العكسِ أثَّرَ فيها كلِّها، تأثيرًا قاد اللبنانيين إلى الانتصار تلو الانتصار عليها كافةً. ولنا في إنجازات رفيق نجم، في عزِّ الحرب دليلٌ على ما أقول. من هنا دعوتي المتكررة إلى وضع الحياة اللبنانية بأكملِها تحت فضاء الثقافة، ففيها السبيلُ الأوسعُ لإيجاد الحلول الكفيلةِ بإخراجِنا من أزماتِنا، لأنها وليدةُ الحرية وبنتُ الفكر”.
وختم: “رفيق نجم واحدٌ من هؤلاء النجوم الذين اعتنقوا الأرضَ والوطنَ والترابَ والقيم، فكان نجمًا ههنا في فضاء الإبداع، وصار بعد رحيلِه نجمًا هنالكَ في سماءِ الذاكرة. فشكرًا لبلدية عاليه ولجميع القائمين بهذا التكريم الذي يعودُ رَيْعُه الحقيقيُّ إلى الوطنِ كلِّه. وشكرًا لرفيق نجم حيث يقيم، على كلِّ الجمالات التي زرعها في عيوننا وأسماعنا، شكرًا للبنان الذي سيبقى مختبرَ الفكر الحر والسلام.»
كما ألقيت كلمات بالمناسبة لكل من الفنان سعد حمدان باسم نقابة الممثلين في لبنان، والممثل فائق حميصي كصديق شخصي للراحل ومسيرتهما الفنية خاصة في مسرحية “بالنسبة لبكرا شو”، ومنى عقل باسم بلدية عاليه ، سعيد أبو غانم عن “أصدقاء المكرم، الشاعر اياد أبي علي عن اهالي “الرملية” مسقط رأس نجم، وباسم العائلة للدكتور رياض نجم الذي شكر الوزير المرتضى رعايته حفل التكريم وكل مَن ساهم ودعم لتخليد ذكرى الفنان رفيق نجم .
وتخلل الحفل عرض فيلم وثائقي يحكي مسيرة الراحل رفيق نجم الثقافية والفنية من إعداد الاعلامية هند نجم جواد والاخراج لدوللي الاحمدية، وأغنية من وحي المناسبة لكل من جاك نعمة ومنى حيدر.