بسام همدر فاكهة الملاعب والمجالس والإعلام عندما هرب الحرّاس واجه الاتحاد السوفياتيّ!
إبراهيم وزنه
ما ذكر اسمه على لسان أحد من أفراد العائلة الكروية في لبنان، إلا واستذكر المحدّث “خبرية” تبيّن ظرافة مواقفه أو سليط لسانه وحلاوة عباراته، نتكلم عن الحارس والصحافي والمدرّب والمحلل بسام محمود همدر، المولود في الشياح في العام 1950، في عائلة كان هو كبير أفرادها، وأوّل من شق الطريق إلى حماية الشباك، ليتبعه فيما بعد أخوته حسان وجهاد وهيثم حرّاساً للمرمى مع ناديي التضامن بيروت والنصر الغبيري… فماذا نقرأ في تفاصيل حياة بسام همدر الكروية؟
البداية من “الجوار”
استهل بسام همدر مسيرته الكروية على ملعب الجوار القريب من منزله في الشياح مع نادي الكفاح الذي كان يضمّ رفاق الحيّ، اختار مركز حراسة المرمى منذ وطأت قدماه أرض الملاعب الترابية الموزّعة في الشيّاح في أكثر من اتجاه، وفي الرابعة عشرة من عمره صار يتردد على ملاعب أرض جلول متحيّناً الفرصة لإشراكه ضمن “التقسيمات” التي كان يشارك فيها الراحلان يوسف الغول وسعد الدين عيتاني تحت إشراف ومتابعة محمود برجاوي (أبو طالب)، ومع حصول التضامن على رخصة رسميّة لعب معه لموسم واحد. وفي ضوء عشقه للتمارين اشتدّ عوده وفرض نفسه حارساً شجاعاً، فلفت أنظار الكشافين بسرعة ليحطّ رحاله مع نادي الراسينغ الذي كان يتقاسم مع غريمه النجمة معظم اللاعبين الموهوبين في الضاحية الجنوبيّة لبيروت، ومع الراسينغ وقف لأكثر من خمس سنوات كحارس احتياطي لكبار الحراس في تلك الأيام كسميح شاتيلا ويوسف الغول الذي انتقل من التضامن أيضاً، ولما سنحت له الفرصة للمشاركة أثبت وجوده وفرض نفسه على تشكيلات “الأبيض” وتحديداً خلال فترة “الاتحادين”، وبقي معه لحين اعتزاله اللعب في العام 1988، ومن الراسينغ تمّ اختياره ضمن صفوف منتخب لبنان الوطني، وقد بلغ مجموع مبارياته مع المنتخب 15 مباراة، فيما زار أكثر من 30 بلداً مع “سندباد الكرة اللبنانية”، وخلال إحدى السفرات تعرّف إلى رفيقة دربه “ام محمد” التي تحمل الجنسية الرومانية.
حكاية بسام مع الراسينغ طويلة، فقد بدأت مطلع السبعينيات، حين اصطحبه الحارس الاحتياطي في الراسينغ عاطف العرب إلى مقر الاتحاد ليوقع على كشوفات “الأبيض” بعد أن لفته أداؤه في بعض المباريات الشعبية على أرض جلول. ومن ذكرياته، يروي بسام همدر ما حدث معه في العام 1965 حين كان في الخامسة عشرة وقبل ترفيعه إلى فريق الراسينغ الأول: “كان منتخب الاتحاد السوفياتي يزور المنطقة لخوض بعض المباريات الودية قبل أن يتوجّه لانكلترا لخوض نهائيات كأس العالم، ففي أولى مبارياته فاز على تفاهم المزرعة – الهومنمن بنتيجة (11-0) ثم توجّه إلى سورية وفاز على منتخب حلب (6-0) وعاد بعدها إلى بيروت، ليختم جولته بلقاء المنتخب اللبناني على ملعب المدينة الرياضية. في ذلك اليوم، دخلت إلى الملعب لمشاهدة المباراة فأوقفني الدرك في إحدى زوايا الملعب، ولما رآني جوزف أبو مراد سألني عن سبب وقوفي هناك، فرويت له ما حدث، فقام بحلّ المشكلة ثمّ اصطحبني إلى الملعب وأنا أحمد الله على تجاوز هذا القطوع “. ويكمل بسام همدر: “بعد قليل رأيت أبو مراد ومدير المنتخب جوزف نالبنديان يتهامسان بانفعال ثم ما لبث أن أشار عليّ بالنزول إلى أرض الملعب وقال لنالبنديان “بسام سيحرس المرمى اليوم”، وبعد قليل عرفت بأن الحراس الأساسيين للمنتخب يرفضون اللعب أمام الفريق الزائر خوفاً من “البهدلة”.
فارتديت قميص المنتخب وأعارني لاعب الهومنتمان “جوكي” حذاءه وأذكر أن نالبنديان قال لي: “يا ابني لا تخف أنت غير معروف”، ومن محاسن الصدف أن أمطرت فتبللت أرض الملعب وجانب التوفيق اللاعبين الروس فطاشت كراتهم فوق المرمى وعلى جانبيه، عدا الكرات التي وفّقني الله في التقاطها أو صدّها. وانتهت المباراة بينتجة (0-3) لتختلف نظرة مسؤولي الراسينغ إليّ ويدعوني بعدها للتدريب مع الفريق الأول للنادي” والجدير ذكره، أن بسام لعب أول مواسمه مع الراسينغ موسم 1968-1969 ودافع عن ألوان الأبيض حتى موسم 1987-1988.
تأثر بسام همدر بالمدرب الروماني بوغدان، ويعتبره من أفضل المدرّبين الذين مروا في تاريخ الكرة اللبنانية. وعن بوغدان يقول بسام: «الذكاء وسرعة البديهة جعلا من بوغدان مدرّباً بالفطرة، عرف نقاط ضعف اللاعب اللبناني وعمل على تلافيها. وبرزت بصماته في بداياته مع الشبيبة المزرعة عندما تسلم الدفّة الفنية من مواطنه كرنيك وصنع فريقاً مرعباً معززاً ببعض لاعبي الصف الثاني أمثال علي حمود وميشال مجدلاني وفاروق الغالي ومحمود ارناؤوط ومحمود شاتيلا وحسيب ابو حمد، ولعب هؤلاء إلى جانب نجوم الصف الاول أمثال الأخوة جورج وداود ونقولا منتوفي وحافظ عمار وفضل السباعي، وتمكّن الشبيبة بقيادة بوغدان من الفوز بلقب بطولة الدوري موسم 1967-1968. ويضيف همدر في وصف معلّمه وملهمه: «بوغدان أدرج التدريب يومياً في روزنامة اللاعب اللبناني الذي كان يتدرب في أغلب الأحيان 3 مرات إسبوعياً وبفضل أساليبه المتطورة تمكّن من الوصول مع لاعبي الراسينغ إلى أعلى درجات الحضور الفني والبدني، وبقيادته أيضاً تمكن الراسينغ من الفوز ببطولة لبنان موسم 1969-1970، حين كان «الابيض» يضم نخبة من اللاعبين اللبنانيين أمثال جوزف ابو مراد ويوسف الغول وميشال سعد وسهيل رحال وفيليب الشايب واليوناني نيقولا فيليانكورديس». ولفت بسام إلى أن بوغدان بقي في لبنان وعاش بقية حياته في شقة استأجرها له الراسينغ في منطقة بدارو ورحل بصمت قبل 10 سنوات.
بعد اعتزال اللعب، توجّه الكابتن بسام إلى ميادين التدريب، وفي هذا السياق شارك في أكثر من دورة تدريبية، أبرزها في رومانيا لمدّة 6 أشهر، ولاحقاً في معظم الدورات التي نظّمها الاتحاد اللبناني لكرة القدم بالتنسيق مع الاتحادين الآسيوي والدولي. وأبرز الفرق التي تولّى إدارتها الفنية: الراسينغ وشباب الساحل والبرج.
وفي الجانب العملي، وبحكم مواظبته صغيراً على قراءة الصحف والمجلات المصرية المتخصصة بأخبار الكرة المصرية في مكتبة عادل جابر في الشياح، وجد نفسه مجلّياً في صياغة المواضيع وإبداء الرأي والانتقاد البنّاء، بعبارات قريبة إلى القلب ولا تخلو من طرافة، فترأس الصفحة الرياضية في مجلة الشراع الأسبوعية لسنوات طوال، وكانت له إطلالات إعلامية لاذعة في جريدة شوت الأسبوعية لأكثر من خمس سنوات، كما حرص على نشر الكثير من الآراء في الصحف والمجلات في لبنان والوطن العربي. تميّز بسام همدر بعشقه للركض، وحتى في أحلك الظروف التي عصفت بلبنان والضاحية كان يواظب على الركض، فخلال الاجتياح الاسرائيلي للبنان في العام 1982 كان يمارس هوايته ويخدم أبناء منطقته من خلال تأمين بعض حاجياتهم نظراً للحصار المفروض على الضاحية. تعرّض بسام همدر لوعكة صحية في العام 2016 جعلته يبتعد عن متابعة المباريات من المدرّجات، ومن ثمّ تراجعت صحته بشكل كبير ما اضطره لملازمة المنزل، وكلما وقع نظره على صورة لأحد رفاقه في الزمن الجميل تفيض عيناه بالدموع ولسانه بكلمات أتعبها الزمن، منذ العام 2016 وبسام همدر غائب عن السمع والبصر، يمضي معظم وقته في المنزل، يذهب لبعض الوقت إلى المقهى القريب من منزله ليكحّل عينيه برؤية الأصحاب والجيران ثمّ يعود قاطعاً المئة متر التي تفصل بين منزله والمقهى بشق النفس، تساقطت الأسماء من ذاكرته ولكن عندما تقع عيناه على صورة لنجم من الزمن الجميل… يبكي ويتمتم داعياً.
تكريم من الغبيري والبرج
تقديراً لمسيرته الرياضية، تمّ تكريمه من قبل بلدية الغبيري ولاحقاً من قبل بلدية برج البراجنة.. أكتب عنه اليوم، وهو في وضع لا يسعفه على استذكار «الخبريات» أو سرد بعض من سيرته الكروية وطبيعة تنقلاّته بين الأندية… بسام همدر، هو صفحة مشرقة من تاريخ الضاحية ولبنان الكرويّ، مجالسته تدخل السرور إلى القلوب، مخلص إلى أبعد الحدود لزملائه، أذكر في يوم تشييع رفيقه وحبيب قلبه يوسف الغول راح يبكي كالصغار عند معانقته لغالبية اللاعبين المشاركين في التشييع.
بطاقة شخصيّة:
بسام محمود همدر
ـ مواليد الغبيري في 2 أيار 1950
ـ متأهل وله 5 أبناء: محمد، أحمد، مريم، زينب وحمزة.
ـ الفرق التي لعب معها: الكفاح في شبابه ثمّ الراسينغ.