أيّها النائب «الغَيْري»
} حيّان سليم حيدر
هذا وقد انتهينا من «تثبيت» نتائج الانتخابات، وتجاوزنا ساحات التحليل والتعليل وباحات التفسير فالتبرير، وبعد جلسات الانتحاب (وحرف الحاء مقصود هنا) والاستشارات على شكليها الملزمة وغير الملزمة، هل أصبح بالإمكان مخاطبة «الغَيْريّين» (1) الجُدد من النواب، ومطالبتهم، من موقعهم ممثّلين للأمّة جمعاء، وفقاً للمادة 27 من الدستور اللبناني، نطالبهم بأبسط الإجراءات التي لا ترتبط، بأيّ شكل، بالغير من النواب والقوى والطوائف والجماعات والفعاليات والناس؟ وفيها من المسلّمات (التي لا يُسلّم بها) ما يأتي من اقتراحات إصلاحية وهي قليل من فيض.
هناك في المجمل والمختصر، ثلاثة مستويات أساسية من القرارات والعمل البرلماني والمواقف يمكن لكم المباشرة بها.
الأول، ما يمكنكم القيام به فوراً، وهو الأسهل، لأنّه مستقلّ، كلّ الاستقلال، إذ أنّه لا يتعلق بإرادة أيّ شخص آخر أو قوى أو طائفة أو جماعة، هذا ويمكنكم الإقدام عليه فوراً وقبل أفول الحماسة… ومعها… بريقكم.
والثاني، الذي يشمل مجموعة أولية من الاقتراحات يمكن لعشرة نواب منكم، والأمر بات سهلاً، أن يتقدّموا بها، مع العلم المسبق بصعوبة تنفيذها، فأقدموا عليها لتبرهنوا عن حسن نوايا ومصداقية إقران القول بالعمل وإدراكاً للأمور العامة، ولنرى معاً ما ستؤول إليه الأمور، و»الشعب» سيسجل لكم ذلك، ولا تحيدوا عمّا أنتم مقتنعين به من مسلّمات وطنية، في سبيل تسويات، لا شك ستعرض عليكم.
والثالث، وهو يدخل في مجال المعاصي، كتنفيذ مقتضيات المادة 95 من الدستور و…، من الأول، كاحترام جميع وكلّ مواد الدستور والحرص على تطبيقها. إلّا أنّه عليكم المحاولة والمحاولة والتكرار وعدم مغادرة موقع هذه الأساسيات مهزومين.
فلتَكن هذه الإجراءات عنواناً لدخولكم إلى الساحة البرلمانية من باب النائب الحريص على الصالح العام والمبادئ البرلمانية السليمة، النائب المستقلّ عن الشوائب والنوائب والمنافع، النائب الذي يضع نفسه، فعلاً لا قولاً فقط، بتصرّف الولاية العامة التي أُوْليَ بها.
ونبدأ من عند المستوى الأول.
– إذا كــــان لأحــدكم جنــسية غيــر الجنســية اللبنانيــة، فعليـه التخــلّي عنــها فــور ممارســته لمهامــه الرســمية اللبنانيــة.
– على النواب الجُدد، «الغيريّين»، رفع الحصانة عن أنفسهم، مع الاحتفاظ بالحصانة في مجال الكلام السياسي حصراً، وهو السبب الوحيد الذي كانت الحصانة من أجله. كما وعليه رفع السرّيّة المصرفية عن حساباته وعن حسابات عائلته في سياق التصريح عن أمواله حسب الأصول؟
– على النواب الجدد التعهّد أيضاً، رسميّاً، بألّا يعيّنوا أو يسعوا إلى تعيين أفراد من عائلاتهم أو أقاربهم في مواقع الدولة وتوابعها النفعية تحت طائلة إلغاء نيابتهم؟
– على النواب الجدد أن يسدّدوا ذِمَمهم المالية كافة من ضريبة الدخل وسائر الضرائب والرسوم وموجبات المواطنة وفي كلّ الأوقات، على ألّا يُسْتثنى أحدٌ ولا أيّ موجب مالي لأيّ سبب كان.
إنّ كلّ ما جاء أعلاه يمكن تنفيذه بشكل إفرادي إرادي وفوري من قبل كلّ نائب على حدة، فلا عذر لأيّ كان في التخلّف عن هذه الأمور، وإلّا، إسمحوا لـِ»الشعب» بأن يعتبركم من جماعة «كُلُّنْ يعني كُلُّنْ» ويتصرّف معكم على هذا الأساس.
– سبق وصدر قرار لمجلس الوزراء يحمل الرقم 5 تاريخ 22-8-2019 والذي أكّد على قرار المجلس رقم 36 الصادر بتاريخ 16-10-1997 والقاضي بعدم استعمال الألقاب في التخاطب واعتماد كلمة «السيدة» و «السيد» في جميع المراسلات الإدارية. فهلّا، يا أصحاب «السعادة»، هلّا طبّقتموه ونفّذتموه على أنفسكم وعلى زملائكم «السعداء» وعلى سائر أصحاب المناصب، مهما علت…؟
أمّا على المستوى الثاني.
– هلّا عملتم، مع «زملائكم» الجُدُد، على تضمين الدستور اللبناني مادة خاصة غير قابلة للطعن، أو التعديل والتغيير والتفسير المخالف فالتبرير، بعدم جواز ازدواجية أو تعدّد الجنسية لجميع وكلّ مسؤول لبناني عن ولاية عامة، مُنتَخَباً كان أو مُعيّناً، رئيساً نائباً وزيراً، قاضياً عسكريّاً أمنيّاً، موظفاً من الفئة الأولى أو ما يعادله، مستشاراً أو منتدباً أو مكلّفاً بشؤون الدولة على صلة بالخارج؟ وبعد أن تكونوا قد طبّقتم هذا المبدأ على أنفسكم أولاً؟ والأمر نفسه يسري على موضوع رفع السرية المصرفية كما سبق.
– بات لبنان آخر دولة في العالم لا يقترع فيه الثمانيتعشريون. هذا ونذكّر أنّ الاقتراح متداول فيه منذ العام 1953 حين مُنِحَت المرأة اللبنانية حقّ الانتخاب والترشّح. والأفضح ـ الأفدح، أّنّه سبق وتقدّم، منذ عقد من الزمن، عدد كبير من نواب الأمّة، وغالبيتهم من المُمَدّدين لأنفسهم كانوا، بعريضة إلى المجلس النيابي إقترحوا فيها خفض سنّ الإقتراع إلى 18 وقد تجاوز عددهم الماية نائب، ولم يُتابَع الموضوع إلّا بتبادلهم التهاني. ونطالبكم بأن تتقدّموا، مجتمعين، بمشروع قانون، منفصل عن غيره، لهذه الغاية، وأن تعملوا بكلّ صدق، جاهدين، في سبيل إقراره… «خارج القيد الطائفي».
– وبموازاة ذلك، عليكم التقدم باقتراح قانون ينهي الجدل الأبدي القائم للبت بالإصلاحات الرقابية المطلوبة والمتضمنة في قانون الانتخاب، لا سيما في المواد 4 وحتى النهاية، وفيها نُظُم ضبط الإنفاق الانتخابي وسائر مقتضيات تنظيم شؤون الإعلام والإعلان الانتخابيين وما شابه من أمور رقابية إصلاحية. وليكن ذلك بشكل منفصل عن سائر بنود قانون الانتخاب الحسّاسة مثال النسبية وتنظيم اللوائح ودوائر الانتخاب وما إليها.
تعالوا نتغاضى معاً عن جميع الهَنّات التي رافقت إطلالاتكم الأولى على مسرح مجلس النواب وفي سياق المشاركة في مسرحياته أللانهاية لها، فهي من قبيل الترويض الأوّلي اللابدّ منه في مجال تحمّل المسؤولية العامة.
تعالوا نبدأ، معاً، العمل المستقلّ والجدّي.
(«) إنّ الكلمات الواردة بين «هلالين» قد لا تعني بالضرورة ما تعنيه.
(#) «إذا كنت أستعمل صيغة الجمع المذكّر، فالحقّ على اللغة العربية، أو الفضل لها، لأنّها توحّد في صيغة الجمع بين الجنسين».
(1) لقد اعتمدت تسمية «غيريّين» هذه لكون التسميات الرائجة من «تغييريّين» أو «سياديّين» أو مستقلّين» أو «حياديّين» كلّها تسميات، في المبدأ وفي المنشأ وفي الممارسة، لا يمكن أن تصف الواقع أو أن تعطي الشيء حقّه، ليس بسبب قصور الأشخاص، بل لاستحالة الموضوع أساساً. ولذلك، ومن دون أيّ قصد مغاير، أتت تسمية غيريّين لتشير إلى خلاف ذيّاك الذي انتفض «الشعب» ضدّه!