الحرب بين التمني والواقع…
} عمر عبد القادر غندور*
تتقدّم «أزمة» حدودنا البحرية مع فلسطين المحتلة، على ما عداها من أزمات، فهي مع ذلك الفرصة الأخيرة للخروج من «جهنم» في زحمة الثرثرة حول خطط التعافي الاقتصادي، الى جانب أزماتنا المتناسلة والمتفاقمة وآخرها «أزمة» تشكيل الحكومة والاختلافات على الحصص وكأننا في أحسن وأرغد حال…
ولأنّ أزمة حدودنا البحرية المهدّدة بالابتلاع والضياع والقرصنة بسبب تخاذل السياسيين والانقسام حول الخطين 29 و 23 وما بينهما، وعدم تصحيح المرسوم 6433 وإرساله الى الأمم المتحدة في حينه، قد يؤدّي الى ضعف حجتنا، ويصبح حقل كاريش خارج الحدود المتنازع عليها، وهذا ما جعل «إسرائيل» تسارع الى استقدام الباخرة «إينرجين باور» الى الحقل المتنازع عليه، مستفيدة من تخاذل السلطات اللبنانية، وأجرت مناورات حية في الشمال وأخرى مشتركة مع قبرص !
ولأنّ لبنان فقد المبادرة بانتظار ما يحمله الوسيط الأميركي اموس هكشتاين من موقف العدو ينبغي التأكد انّ الأمر بيد الولايات المتحدة قبل ان يكون في يد العدو، تحوّلت الأنظار لمعرفة موقف المقاومة القادرة في ضوء موقف سماحة السيد حسن نصر الله الذي قال في وقت ليس ببعيد، انّ المقاومة لن تسمح بسرقة ثروتنا، وكانت رسالة المُسيّرات يوم السبت الفائت بالغة التعبير.
ولأنّ اليأس بلغ مداه عند البعض طالبوا عن حسن نية بردع «إسرائيل بالنار»! وقد تماهى هؤلاء مع المتربّصين بالمقاومة لتوريطها بحرب قاسية لا تخرج منها منتصرة ولا سالمة! ونحن في هذه العجالة لا نتحدث عن «يهود الداخل» الذين لا يرون الصهاينة اعداء ولا من يحزنون، بل عن اخواننا الغافلين «اللي بدهم يصيّفوا» الذين تحدث القرآن الكريم عنهم في كلّ زمان «أَفَرَأَيْتَ مَنِ اتَّخَذَ إِلهَهُ هَوَاهُ وَأَضَلَّهُ اللَّهُ عَلَى عِلْمٍ وَخَتَمَ عَلَى سَمْعِهِ وَقَلْبِهِ وَجَعَلَ عَلَى بَصَرِهِ غِشَاوَةً فَمَنْ يَهْدِيهِ مِنْ بَعْدِ اللَّهِ أَفَلَا تَذَكَّرُونَ»
ولأنّ قرار الحرب مسؤولية تحتاج الى حسابات واستعدادات واستقصاءات دقيقة ومتغيّرة في كلّ لحظة، وخاصة في بلد مفلس ليس فيه خبز ولا دواء ولا كهرباء ولا محروقات ولا قضاء عامل ولا بنية اقتصادية ولا مالية ولا تربوية ولا صحية ولا خدماتية ولا اجتماعية حتى إدارات الدولة خالية من الموظفين، وقالت الأمم المتحدة بالأمس ان 2,2 مليون لبناني بحاجة للمساعدة الفورية.
وفي مثل هذه الأوضاع المهترئة وفي حالة احتضار جماعي، يبادر بعضنا الى قرع طبول الحرب بحسن نية وآخرون بسوء نية!!
ومن حسن الحظ انّ وعي المقاومة وحضورها واستنفارها اللوجستي وإحاطتها بأدقّ التفاصيل يجعلها خارج هذه «العصفورية» وهي تدرك انّ العدو ربما أراد توريطها خلال مناوراته الكبيرة على مساحة شهر كامل وقد حذره سماحة السيد من ايّ حماقة قد يرتكبها …
وفي مثل هذه الحالات تبقى الكلمة الفصل للعقول النيّرة والمستنيرة والإرادات المكتملة والمطلعة والناظرة في مختلف الاحتمالات تصديقاً لقوله تعالى «وأعدّوا» وفي ذلك كناية عن الاستعداد الكامل في مختلف الميادين تصديقاً لقوله تعالى «إِنَّ اللَّهَ اشْتَرَى مِنَ الْمُؤْمِنِينَ أَنفُسَهُمْ وَأَمْوَالَهُم بِأَنَّ لَهُمُ الْجَنَّةَ يُقَاتِلُونَ فِي سَبِيلِ اللَّهِ فَيَقْتُلُونَ وَيُقْتَلُونَ وَعْدًا عَلَيْهِ حَقًّا فِي التَّوْرَاةِ وَالْإِنجِيلِ وَالْقُرْآنِ وَمَنْ أَوْفَى بِعَهْدِهِ مِنَ اللَّهِ فَاسْتَبْشِرُوا بِبَيْعِكُمُ الَّذِي بَايَعْتُم بِه وَذلِكَ هُوَ الْفَوْزُ الْعَظِيمُ «
ولا يتوهّم أحد انّ «إسرائيل» في وضع مريح بعد أن تأكد لها انّ البحر الذي يحيط بها غير آمن أبداً، لأنّ التعامل مع تهديدات الصواريخ الموجهة من البحر من قبل قوى المقاومة على اتساع البعد الجغرافي الشاسع بات يشكل تهديداً جدياً، لا سيما عندما نتحدث عن منصات استخراج الغاز، وكلّ ذلك يمثل أهدافاً جذابة للقوى والدول المحيطة بدولة الاحتلال.
وتبقى الأمور مرهونة بأوقاتها…