جو بايدن وأبجدياته السياسية
} د. حسن مرهج
مضامين متعدّدة تنطوي على الزيارة المرتقبة للرئيس الأميركي جو بايدن إلى الشرق الأوسط. هي زيارة تأتي في توقيت شرق أوسطي بالغ الدقة، خاصة أنّ مجريات الحرب الروسية الأوكرانية، ألقت بظلال تأثيراتها على المنطقة، فضلاً عن حالة الاصطفافات الجديدة، والتي أفرزتها العملية العسكرية الروسية في أوكرانيا، وربطاً بذلك، فإنّ إيران والهواجس التي تؤرق أعداءها، تفرض تعاطياً أميركياً من نوع خاص، مع حلفاء الولايات المتحدة التقليدين، وبذلك فإنّ زيارة جو بايدن التي خُصّصت لزيارة السعودية وتل أبيب، إنما تأتي ضمن أطر متعدّدة، تبدأ بإعادة ترتيب البيت الشرق أوسطي، وصولاً لطمأنة حلفاء واشنطن وتبريد هواجسهم، حيال الاتفاق النووي الجديد، وكذا محاولة ربط المسار الخليجي بعمومه، مع التوجهات «الإسرائيلية» حيال إيران وعموم المنطقة.
بطبيعة الحال، ومع إعلان توقيت زيارة بايدن إلى المنطقة، تزاحمت التقارير الغربية والعربية، التي دأبت على تحليل أبعاد الزيارة الأميركية، لكن جُلّ التحليلات صبّت في بوتقة تشكيل حلف عسكري يضمّ الدول الخليجية، إضافة إلى العراق والأردن وتركيا و»إسرائيل»، بُغية مواجهة النفوذ الإيراني في المنطقة، لكن في المقابل، ثمة رأي آخر يقول بأنّ الزيارة تأتي في إطار التهميد لتوجيه ضربة عسكرية محدودة تطال المنشآت النووية الإيرانية، وبين هذا وذاك، هناك من يقول بأنّ الزيارة الأميركية إلى المنطقة، من شأنها تهدئة مناخ التوتر الاقليمي، وبلورة استراتيجيات جديدة، تتماشى مع الواقعين الإقليمي والدولي، اللذان سيتغيران حُكماً بعد الحرب الروسية الأوكرانية.
بصرف النظر عما سبق، فإنّ المؤكد بأنّ إيران وبما تمتلكه من قوة، باتت مؤرقاً للعديد من دول المنطقة، فضلاً عن أنّ الأمنيات بتدمير البرنامج النووي الإيراني شيء، والواقع شيء مختلف تماماً، خاصة أنّ إيران ومع وصولها إلى عتبات عسكرية وتقنية واسعة، بات من الصعب على أيّ قوة إقليمية أو دولية، توجيه أي ضربة عسكرية لإيران، دون ردّ إيراني مدمّر، ويُدخل المنطقة بأسرها في أتون حرب إقليمية وربما عالمية، ضمن هذا، فإنّ الرئيس الأميركي جو بايدن يدرك هذه الحقيقة، ويتعامل معها هو وفريقه العسكري بجدية بالغة…
بالتالي يمكن القول، بأنّ زيارة جو بايدن، تأتي في أحد أطرها، لسحب فتيل التوتر بين طهران وتل أبيب، والمؤكد أيضاً بأنّ الإدارة الأميركية وصقورها، يدركون أنّ قوة محور المقاومة بعموم أركانه، سيكونون حاضرين في أيّ حرب ضدّ إيران، وانطلاقاً من هذه الجزئية، ثمة توازنات لا بدّ من فرضها بزيارة جو بايدن الشرق أوسطية.
حقيقة الأمر، هناك معطيات تؤكد بأنّ بايدن ومع مرضه الذي بات واضحاً للجميع، يبدو أنّ هناك غشاوة تصيب عيناه، فالاستراتيجية «الإسرائيلية» وإنْ نجحت في ذرّ الرماد بعيون بايدن، وإيهامه بأنّ إيران بين ليلة وضحاها، ستصبّ نيران أسلحتها فوق «إسرائيل»، لكن وبنظرة منطقية، فإنه لا أحد يريد الاصطدام المباشر مع إيران، ولعلّ بوليصة التأمين التي ستتكفل بها دول الخليج، لن تفي بالغرض وبتكاليف هذه الحرب، دليل ذلك، التأكيدات الخليجية بأنّ حرب أوكرانيا، فرضت تموضعاً وسطياً في السياسة والاقتصاد، خاصة أنّ الدول الخليجية، فقدت الثقة بالأميركي، في ظلّ تنامي قدرات روسيا والصين، وزحفهم اقتصادياً إلى المنطقة.
في جانب آخر، من الواضح أنّ التقارير التي تحدثت عن زيارة بايدن إلى المنطقة، جاءت ضمن إطار نفسي، الغاية منه التجييش ضدّ ايران، مع تكثيف حالة الزخم السياسي، بغية الضغط على إيران، وإجبارها في المقابل على تقديم تنازلات تتعلق بالاتفاق النووي، وكذا في ما يتعلق بعموم ملفات المنطقة، وتحديداً في الملفين السوري واليمني، لكن في المقابل، هناك مناخ إيجابي في المنطقة وتحديداً في سياق العلاقات الإيرانية السعودية، تترجمه حالة المفاوضات بين البلدين، ومحاولة تقريب وجهات النظر بينهما، عبر وسطاء إقليميين، إضافة إلى ذلك، ثمة وقائع تؤكد بأنّ ولي العهد السعودي محمد بن سلمان، لديه مقاربات مختلفة تتعلق بحالة التهدئة، سواء مع إيران أو غيرها من الخصوم في المنطقة، والأهمّ في كلّ ذلك، أنّ التركيز على ما سُمّي ناتو عربي او خليجي ضدّ إيران، فنّدته الكثير من التقارير السعودية والإماراتية، والتي أكدت أنّ الرياض وأبو ظبي، غير معنيّتين بأيّ واقع من شأنه تعزيز أزمات المنطقة، أو تسعير حالة العداء مع إيران. وبالتالي، فإنّ غالبية حلفاء واشنطن في المنطقة، من السعودية إلى الإمارات مروراً بالأردن، يبحثون عن مسوغات التهدئة، ولا تعنيهم بأيّ شكل من الأشكال، رغبات «إسرائيل» في استهداف إيران عسكرياً.
زيارة بايدن إلى المنطقة، لم ولن تكون للحشد ضدّ إيران، فخلاصة الزيارة ومضامينها تصبّ مباشرة، في إطار تهيئة حلفاء واشنطن التقليدين، لتوقيع اتفاق نووي جديد مع إيران، والأهمّ أنّ زيارة بايدن، ستحمل مــعها تطميــنات خاصة بـ «إسرائيل»، مع إغراءات مالية كبــيرة ســتأتي إلى تــل أبيب من دول الخليج، وضمن ذلك، فإنّ إيران ستستمر بتطوير قدراتها، مع تعزيز قدرات حلفائها في المنطقة.