أولى

30 يونيو/ حزيران 2013 وانهيار مشروع الشرق الأوسط الكبير!

 د. محمد سيد أحمد

على مدار السنوات التسع الماضية لم نتوقف عن الكتابة عن أحداث 30 يونيو/ حزيران 2013، ففي الذكرى السنوية لهذا الحدث الكبير نعيد تسليط الضوء على ما شهدناه بأعيننا وشاركنا فيه بأنفسنا، فعندما هبّت رياح الخريف العربي في نهاية العام 2010 وبداية العام 2011 لم يكن الخبراء والمحللون يعلمون أنّ هذه الرياح العاصفة ليست طبيعية، وبأنّ هناك من يقف خلفها، لذلك انخرطت غالبية القوى السياسية خاصة المعارضة للأنظمة السياسية الحاكمة آنذاك في موجة الاحتجاجات والتظاهرات والاعتصامات، كما خرجت الجماهير الشعبية بكثافة عالية عندما وجدت هذه القوى السياسية صامدة في الشوارع والميادين، وهو ما أدّى إلى سقوط وتهاوي الأنظمة السياسية الضعيفة والهشة بشكل سريع في تونس ومصر، ومع رحيل زين العابدين بن علي وحسني مبارك، بدأت ملامح الخريف تتضح… فما وصفوه بالربيع العربي ليس ربيعاً على الإطلاق. فالربيع يتسم بالنسمات الباردة اللطيفة، على عكس الخريف الذي يتصف بالرياح المحملة بالأتربة.

وبالفعل بدأ بعض الخبراء والمحللين الذين أعمتهم أتربة رياح الخريف ـ في البداية ـ يدركون حقيقة ما حدث ويحدث، خاصة عندما انتقلت الرياح من تونس ومصر إلى ليبيا وسورية بشكل خاص وهي دول لا توجد مبرّرات كافية لهبوب رياح الخريف عليها. واتضحت الصورة أكثر عندما هبّت بعض نسمات الربيع على البحرين فأسرعت القوى الخارجية بالتدخل العسكري لتعيد الطقس إلى حالة الصيف الحارق الذي كان يسود البحرين قبل هبوب نسمات الربيع، وكنت من بين المحللين الذين انخرطوا مبكراً في ثورة 25 يناير/ كانون الثاني المصرية، حيث كنت من طليعة من وقف في وجه مبارك رافضاً سياساته التي أفقرت الغالبية العظمى من المصريين، والتي أدّت إلى انكماش دور مصر على المستويين الإقليمي والدولي.

لكن وعلى الرغم من ذلك إلا أنني أدركت ومعي بعض الخبراء والمحللين أنّ ما يحدث في مصر ليس ربيعاً عربياً كما تروّج الآلة الإعلامية الجهنمية الجبارة التي تديرها الصهيونية العالمية من عدد من العواصم العربية والأجنبية، بل ما يحدث هو خريف شديد الرياح سيقتلع معه الأخضر واليابس على أرض مصر، لذلك حذرنا وبعد أقلّ من شهر من رحيل مبارك أنّ قوى الشر العالمية متمثلة في الولايات المتحدة الأميركية وحلفائها هم من خططوا ونفذوا ما حدث ويسعون في تلك اللحظة لتمكين الجماعات التكفيرية الإرهابية من السيطرة على مقاليد الحكم في البلدان العربية.

ومنذ غزوة الصناديق المزعومة للاستفتاء على التعديل الدستوري في 19 مارس/ آذار 2011 بدأت بعض القوى السياسية المصرية ومعها بعض الخبراء والمحللين السياسيين يستردّون وعيهم بسرعة، للوقوف في وجه رياح الخريف الأميركية الصهيونية المتخفية وراء الجماعات التكفيرية الإرهابية داخل مجتمعاتنا العربية، لكن للأسف الشديد كانت رياح الخريف أقوى من التصدّي لها في تونس ومصر وليبيا واليمن، فقط تمكنت سورية من الصمود في وجه هذه الرياح العاتية، لذلك كان الرهان على سورية وجيشها في التصدي للمشروع الأميركي ـ الصهيوني الذي استأجر الجماعات التكفيرية الإرهابية لتعمل لديه بالوكالة فوق الأرض العربية، وفي الوقت الذي اصطففنا للدفاع عن سورية لم نقف مكتوفي الأيدي أمام الجماعة الإرهابية التي سطت على مقاليد الحكم في مصر.

لذلك كان تحرّكنا ومنذ اليوم الأول لصعود محمد مرسي للجلوس في سدة الحكم، حيث حاول هو وجماعته الإرهابية المحتمية في الأميركان والصهاينة إرهابنا كي نتراجع عن المواجهة، لكننا كنا قد أدركنا حجم المأساة التي وصلنا إليها، لذلك عندما انطلقت حركة تمرد قبل شهرين تقريباً من 30 يونيو/ حزيران 2013 قمنا بدعمها وتأييدها، واستطاعت الحركة أن تجمع ما يزيد عن 22 مليون توقيع ضدّ مرسي وجماعته الإرهابية على الرغم من أنها كانت تستهدف فقط 15 مليون توقيع لإسقاطه، وهو ما يعني عودة الوعي ليس فقط للنخب بل للجماهير الشعبية التي شعرت باختطاف الوطن من قبل عصابة الإخوان الإرهابية.

ولم يتوقف الوعي عند جمع التوقيعات بل تجاوز ذلك حين طالب شباب حركة تمرّد الموقعين للخروج يوم 30 يونيو/ حزيران لتأكيد إراداتهم الجمعية في الإطاحة بمحمد مرسي وعصابته الإرهابية. وفي هذا اليوم خرجت الجماهير المصرية كالشلال الهادر في مجموعات على كامل الجغرافيا المصرية، لدرجة أنه وصف بالخروج الأكبر في التاريخ، ومع إصرار الشعب على التخلص من الجماعة الإرهابية كان الجيش المصري جاهزاً للقيام بدوره الوطني في الدفاع عن الإرادة الشعبية واسترداد الوطن المسلوب من الجماعة الإرهابية.

ولم تكن أحداث 30 يونيو/ حزيران ضربة موجهة فقط للجماعة الإرهابية، بل كانت صفعة مدوية على الوجه الأميركي والصهيوني، وانهيار لمشروع الشرق الأوسط الجديد، الذي تمثل مصر فيه الجائزة الكبرى، لذلك يجب أن يعي العقل الجمعي العربي أنّ مصر هي من فككت المؤامرة على الأمة العربية في 30 يونيو/ حزيران 2013، وأنّ سورية هي من أفشلت مشروع التقسيم والتفتيت بشكل كامل بفضل صمودها شعباً وجيشاً وقائداً عبر سنوات الخريف العربي، اللهم بلغت اللهم فاشهد.

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى