فصل «المنطقة الحمراء»… والخيارات الاستراتيجية!
} فاديا مطر
برغم سلسلة العقوبات الغربية على روسيا التي واكبها فرض التحدي الميداني، إلا أنّ النواقص التي صبغت تلك العقوبات باتت أكبر بكثير مما تمّ تدبيره في المطبخ الغربي، فقد زادت قائمة العقوبات على روسيا من تداعيات المرحلة المقبلة التي تنبئ بفصل شتاء قد يدخل «المنطقة الحمراء» في أوروبا، خصوصاً بعد تحذيرات جدّية من الإعلام الغربي الذي بدأ يُنبّه من منطقة خطرة في الشتاء المقبل، الأمر الذي يعكس حجم الفشل الغربي في شدّ خيوط أوكرانيا تجاه الوضع الدولي، إذ لم يكن كلام صحيفة «فايننشال تايمز» مجرد تحذير فقط، والتي ذكرت بأنّ شركة «شل» البريطانية باتت تدرك حجم الخطر الذي يواجهها في روسيا، إذ كانت تأمل في ما سبق ببيع حصتها لشركاء صينيين، مما جعل المهمة أصعب بكثير بعد تأميم حقل سخالين 2، حيث تمّ استبدال شركة سخالين للطاقة التي كانت تدير مشروعاً مشتركاً بين شركات «غازبروم» الروسية و»شل» البريطانية وميتسوي وميتسوبيشي اليابانيتين بكيان قانوني روسي ونقل ملكية أصول الشركة إلى روسيا الإتحادية…
هذا الإجراء الروسي يُعدّ درساً قاسياً جداً لمجموعة دول العقوبات الغربية التي ظنّت بأنّ السلاسل التقييدية على موسكو ستمكّن الغرب من إسقاط روسيا، وهو الأمر الذي فشل فيه الغرب بمجمل معسكره من تحقيقه، بل بدأت فصول الارتداد القاسية بالعودة إلى مفاصل الدول الأوروبية الاقتصادية والشعبية وحتى البنيوية، لأنّ نقل الأصول الروسية هو تحذير كبير لمنتجي الطاقة من الدول المعادية لموسكو ممن يحاولون بيع أصولهم بسرعة بضرورة أن لا يبقوا منتجين وهميين…
لم يكن هذا الأمر في حساب الدول المعادية لروسيا التي تحضّرت لكلّ السيناريوات الغربية، فقد باتت اجتماعات الرئيس بايدن في شلوس إلما وجنوب ألمانيا ومناقشة المخاوف الاستراتيجية بشأن روسيا والصين لمواجهة مبادرة الحزام والطريق في الدول النامية بمبلغ 600 مليار دولار كمن يرشق رأسه بالحجارة، حيث ذكرت صحيفة «فورين بوليسي» في تمهيد شبه عسكري بأنّ روسيا ستكون في وضع متميّز لأنها تمتلك أسلحة نووية تكتيكية أكثر مما تمتلكه الولايات المتحدة، مما يتطلب من صانعي السياسة الأميركيين التفكير جدياً بما يسمّى «القوات الإستراتيجية» من الصواريخ العابرة للقارات أو القاذفات العملاقة الاستراتيجية، خصوصاً بعد فشل اختبار صاروخ أميركي تفوق سرعته سرعة الصوت في الولايات المتحدة في قرع أجراس الإنذار في كلّ من روسيا والصين، وهو الإختبار الفاشل الثاني في هاواي في 29 يونيو/ حزيران المنصرم بسبب فشل نظام الإشعال بالجسم المنزلق الذي اختبرته واشنطن سابقاً في ميدان صورايخ باسيفيك في هاواي بحسب ما ذكرته صحف غربية، وبالتالي فإنّ أحد الخيارات الانتقامية الاستراتيجية الأميركية قد فشلت مجدداً في أن تكون خياراً للرد ولو في إطار المخاطر العالية.
فأوروبا المذعورة من دعوة برلين لترشيد وتقنين استهلاك الطاقة، تنظر بشكل كبير لآثار مخاوف الفصل المقبل على القارة العجوز كشتاء بلا دفء، وبدأت مخاوف العجز في منتجات الطاقة تأخذ طريقها بقوة في الأوساط الاقتصادية والشعبوية والسياسية وبالأخص الألمانية التي تستورد ثلث نفطها وأكثر من 65% من غازها الروسي المصدر، والتي تعتمد فيه على دوران عجلة الاقتصاد، فالخطأ في الحسابات والاتكاء على واشنطن في عزل روسيا قد أوصل أوروبا إلى مرحلة «وجَنَت على نفسها براقش»، لأنّ روسيا حتى الآن تستخدم نفس السلاح الموجه ضدّها من الغرب وهو النفط والغاز، حيث سيصل الجسم الأوروبي إلى مرحلة قريبة ليجد نفسه بعد سلسلة العقوبات غير قادر على تأمين الاستغناء عن سوق الطاقة الروسي بعد فشل كلّ مساعي إيجاد طاقة بديلة بتكلفة باهظة ولسنوات طويلة، وهو ما يجعله معوّضاً خجولاً لتأمين حاجة أوروبا التي عارضت العقود الطويلة الآجل التي سبق وأبرمتها شركة غازبروم الروسية، فالعودة الأوروبية إلى مناجم الفحم في ألمانيا وبولندا والنمسا سيستغرق عقوداً طويلة وكوادر وأموالاً كبيرة لبدء العمل به، ومن المستحيل الوصول به إلى الحجم المطلوب لتأمين الاستهلاك في فصل الشتاء القريب، وهو ما يجعل الاعتماد على المدد القطري المشروط بضمانات مرفوضة أوروبياً أو المحاولة باللعب في الميدان التركي كساحة تقبل المدفوعات الروسية بالانضمام إلى نظام العقوبات على روسيا مجرد حيّز فقد أجله، وهو ما يجعل السلاح الذي تمتطيه واشنطن من العقوبات المدخل الوحيد الذي تستطيع واشنطن تفعيله في مرحلة ضيّق الوقت أمام أوروبا، هذا إذا لم يطفو على السطح سعي الكثير من الدول المتعاونة مع الولايات المتحدة للتخلص من سندات الحكومة الأميركية خشيه استخدامها بنفس الطريقة التي تتعامل بها مع روسيا مما سيغيّر موازين القوة في الكثير من مناطق العالم…
هذا ما تحاول واشنطن تعويضه في إعادة هيكلة تحالفات أخرى في الشرق الأوسط والمحيط الهادئ لمحاصرة الصين وروسيا معاً، حيث أثبتت المخططات الأميركية فشلها في تحقيق الأهداف بشكل واضح، وعلى نفس الخُطى تمشي القارة العجوز التي تتشدّد حتى الآن في توقيع الشركة الألمانية اتفاقية مع شركة الغاز الأميركية بشأن توريد الغاز الطبيعي المُسال لمدة عشرين عاماً، لكن بعد تخلصهم من الوقود الأحفوري لن تجد بداً أوروبا من القبول بالضمانات القطرية وربما التركية لاحقاً، والتي ستواجه القارة العجوز قريباً مرحلة محرجة وهي دخول الأرجنتين وغيرها من الدول إلى خماسية «بريكس» مما يمهّد الطريق لدخول دول مثل المكسيك وأندونيسيا وإيران وغيرها في مجموعة «بريكس» التي تنافس بقوة مجموعة الدول السبع التي تعتمد عليها أوروبا كلياً في بقاء رئتها قيد العمل، مما جعل الدعوة الهنغارية للاتحاد الأوروبي بوقف مسار التصادم مع روسيا دعوة حقيقية قد وصل فيها الوضع الأوروبي إلى نقطة «أنّ الرجوع إلى البيت وحيداً في الشتاء، لم يُعد آمناً»!