العدالة السوداء…!
} د. قاسم حدرج*
7 تموز 1949… صفحة من كتاب العدالة السوداء، والتي كتب فيها حكم الإعدام على الفكر العابر للاستعباد بكافة أشكاله الدينية، الإقطاعية والجغرافية ليكون الولاء للقضية المركزية وهي قضية الحرية التي تقود إلى الإنسانية .
ولكن كيف للحرية أن تحيا في مستنقع العبودية والأمة المنكوبة بالانتداب تطفئ الشمعة الأولى لنكبة احتلال فلسطين فكيف لا تطفئ شمعتك القومية التي من الممكن ان تحرق أوراق استسلامهم…؟
ليتك اليوم ترى أحفادهم كيف أنّ العبودية متجذرة فيهم وقد أعلنوها ثورة على القومية والحرية برعاية صهيونية وقد اتخذوا من علم الانتداب والعبودية لواء لهم، فسلالة العبيد لم تنقرض بل ربما هي تزيد، والعدالة التي كانت عليك قبضتها من حديد باتت اليوم ترتدي ثوباً جديداً وتفصّل الأحكام على المقاس! تدين وتبرّئ كيفما «الزعيم» يريد…!
أوًتدري أيها الشهيد الذي لم تستغرق محاكمته سوى الوقت الذي استلزم تحضير مشنقته بأنّ الشعار لم يعد ((العدل أساس الملك)) بل أصبح للعدالة شعار جديد وهو ((العفو عند المقدرة)) وساعات محاكمتك لم تعد كما كانت في زمانك دقائق معدودات بل أصبحت ((ويوم عند ربك بألف سنة مما تعدّون)) فبات عتاة المجرمين آمنين مطمئنين بأنه لا أحكام ولا إعدام بل يتوعّدون سجانيهم بالانتقام بالرغم من إقامتهم في سجون خمس نجوم محاطين بحرّاس ليس عليهم بل لهم لأنّ تهمتهم الإرهاب، والإرهاب في زماننا هذا هو تهمة مع مرتبة الشرف خاصة إذا ما كان من مارسه قد مارسه بإسم الدين، فتصبح محاكمته من اختصاص رب العالمين، وهذا ما يفسّر إطالة المحاكمات سنين وسنين لأنّ الله لم يرسل الى الآن أحد النبيّين او المرسلين للدفاع عن هؤلاء ((المظلومين!))، وأنه وفي حال انتهاء المهلة دون تحقيق العدالة الإلهية فإنّ العدالة الأرضية ستجد نفسها مضطرة لإعمال أحكام قانون محو الإجرام والذي ينص على انّ ((العفو من شيَم الكرام)) حتى لا تقع في المحظور وترتكب الحرام بحقّ طيور الظلام وعلى الوطن المتضرّر التقدّم بتظلمه يوم القيام .
سيدي لقد تطوّرنا كثيراً من بعدك وأصبحت العدالة أكثر عدالة، فبينما يحرم محاموك من الاطلاع على ملفّ القضية ويُعيّن لك محام برتبة ملازم ليطلب لك الشفقة والرحمة فإنّ متَّهمي اليوم تنشر محاضر التحقيق معهم منذ لحظة توقيفهم وهي محاضر متطورة قابلة للتعديل والتغيير بل والدخول في بورصة السياسة وسوق المضاربة المذهبية، ويتبارى كبار القوم في تكليف جيش من المحامين، هذا عدا عن المتطوّعين للوقوف متباهين بالترافع عن عتاة الإرهابيين، ولمَ لا…؟ فالجائزة كبيرة والتنافس عليها أمر مشروع، وسأعطيك الدليل… فمن ترأس فريق الدفاع عن الأسير أصبح وزيراً، ومن اكتفت بإعطاء العملاء أحكاماً قصيرة أصبحت وزيرة، بينما أنت فإنّ من ترافع عنك تأدية لمهمة كلف بها فقد تأخرت ترقيته 12 عاماً لأنّ العدالة على أيامك كانت موضة قديمة وحديثة الولادة لم تكن متطوّرة كأيامنا هذه، ولكن في الوقت عينه اسمح لي أن أقول لك: لقد هزموا وانتصرنا، وإنْ كانوا نجحوا في لفّ المشنقة حول عنقك فقد فشلوا في أن يضعوها حول فكرك، وها نحن اليوم وبعد مرور 73 عاماً على ذلك اليوم الأسود، وإن لم نكن من المنتمين إلى الحزب السوري القومي الاجتماعي فإننا لا نزال نردّد معك شعارك قولاً وفعلاً… تحيا سورية…
*محام، مستشار في القانون الدولي