أربعون سنة لحزب الله… وهي لسواه أيضاً
ناصر قنديل
– يثير احتفال حزب الله بالأربعين ربيعاً من عمره، في المضمون والشكل أسئلة وردود أفعال، لكن الطاغي في تفاعل الوسط السياسي يتراوح بين الصداقة الخرساء والعدائيّة العمياء، حيث تقدم تجربة حزب لبناني يتقارب مع الأحزاب الكبرى في عمر الأربعين، من الخصوم والأصدقاء، إذا اعتبرنا أن القوات اللبنانية تأسست من الصفر كما حزب الله في مطلع الثمانينيات دون الاستناد إلى موروث ما أسسه حزب الكتائب. وأن التيار الوطني الحر انطلق مع زعامة العماد ميشال عون التي تأسست في الثمانينيات. وأن زعامة الرئيس نبيه بري على رأس حركة أمل ولدت ونمت في الثمانينيات. وأن الحزب التقدمي الاشتراكي وفق النسخة المنقحة التي جسدها الوزير وليد جنبلاط ولدت في الثمانينبات. وأن الزعامة الحريرية التي أسسها الرئيس رفيق الحريري على دوره الإقليمي ومساعداته الاجتماعية ولدت في الثمانينيات. والثابت الأكيد الذي لا يختلف عليه اثنان اليوم، من أصدقاء الحزب وخصومه، أنه أقوى أحزاب لبنان، وأنه ينمو ويكبر ويشعر بالراحة للتعامل مع ما هو آتٍ، بينما يعيش حلفاؤه وخصومه مناخاً معاكساً. فهم يعترفون بأنهم بلغوا سقف النمو من جهة، ويستشعرون خطر التراجع، وينظرون نحو التطورات والتحديات بعين القلق.
– القراءة العقلانيّة للتجربة، تضع في الاعتبار أهمية الدعم الإيراني لحزب الله، سياسياً وعسكرياً ومالياً، لكنها تقع في السخافة عندما تبني عليه كعنصر وحيد سر التميّز، والاتجاه المعاكس لمسار أقرانه، أصدقاء وخصوماً، لسببين، الأول أن كلاً من هذه التجارب الحزبيّة مرّت في مراحل صعودها بمكانة وتحالفات قدّمتها الى واجهة صناعة الأحداث، وعرفت توافر الدعم المالي والتسليحي والمعنوي، وأحياناً بما يفيض عما ناله ويناله حزب الله، وبعضها ناله من دول لا تقل حجماً ومقدرات عن إيران، والثاني أن الاستثمار على تجربة الحزب من قبل إيران، كما استثمار دول أخرى على سواه، ما كان ليستمر ويتنامى لولا نجاح الحزب في مواصلة إثبات الحضور وتحقيق النجاحات، دون التحوّل الى عبء يحتاج الرعاية وتوفير الحماية، بحيث تصير العبارة الموجزة للأربعين ربيعاً، هي قصة نجاح، تحتاج الى فهم وتفسير مسارها بعيداً عن لغة الاختزال التبسيطيّة التي تكتفي بالإشارة إلى إيران، لأن لإيران حكاية نجاح مشابهة لحكاية حزب الله عندما تقارن، مثلما يقارن، مع الأصدقاء والخصوم، الذين يوازي بعضهم، ويفوق بعضهم الآخر، ما تمثله إيران حجماً وإمكانات.
– لا يمكن أن يغيب عن قراءة أي عاقل خصماً أو صديقاً أن انتصار حزب الله بمكانته المتقدمة القيادية للتحرير عام 2000، ولاحقاً في النصر التاريخي على جيش الاحتلال عام 2006، والانتصارات التي مثلها حزب الله في التاريخ والوجدان العربيين تسمح تاريخاً لتفوق كيان الاحتلال الذي أذل العرب واحتل أراضي بلادهم وهزم جيوشهم. وبالتوازي لا يمكن أن يغيب مقابل هذا الحضور لعنفوان القوة، ما أظهره ويظهره حزب الله من تواضع وتسامح سياسيّ وطائفيّ، ومن ترفع عن لعبة المكاسب والمناصب، بما جعل من الصعب على الخصوم والأصدقاء مجاراته في هذا التحدّي المتعاكس الأبعاد، تحدّي المعارك الكبرى والفوز بها، وتحدّي المعارك الصغرى والترفع عنها، بينما يتشارك الخصوم والأصدقاء، بنسب مختلفة طبعاً، في الانصراف للمعارك الصغرى، والتسليم بالعجز أمام المعارك الكبرى، وصولاً لتتحوّل ميزة الأصدقاء عن الخصوم، أنهم سند للحزب في معاركه الكبرى، لكنهم يستندون الى حضوره في خوضها، وهم مدد له في الداخل بحضورهم المتنوّع كعلامة لحكاية نجاحه، ثم يستندون إليه لتصويب المسارات عندما يصبح الانحراف مخاطرة حاضرة.
– جوهر ما تحمله تجربة حزب الله ويفسّر قصة النجاح، هو التمييز الدقيق بين الحاجة لمواصلة دؤوبة لبناء فائض القوة، ومعرفة أين يجب الاستناد إليها، وبالتوازي المثابرة على رفع السويّة الثقافيّة والمعرفية والأخلاقية بتنوّع مصادرها الدينيّة والوضعية، طلباً لامتلاك قيمة مضافة، ومعرفة مكانتها في تنمية وتطوير نجاحاته وبناء سيرته، ثم النجاح في تحويل فائض القوة الى قيمة مضافة ومواصلة فعل العكس. وهكذا يصير التفوق العسكري على الخارج المعادي سنداً لهذا التفوق الأخلاقي على الداخل صديقاً وخصماً، ويتغذّى كل منهما من نظيره، حيث فلسطين بيضة ذهبيّة تحفز دائماً لرفع مستوى هذا التفوق العسكري، وتضخ بالتوازي المزيد من عناصر التفوق الأخلاقيّ.