بين روسيا والغرب صولات جولات أمنية استراتيجية
} رنا جهاد العفيف
بين روسيا والغرب بقيادة الولايات المتحدة الأميركية معتركات شتى بأنواعها، منها الأمنية الاستراتيجية والدبلوماسية الأممية، فضلاً عن العقوبات، فيما موسكو تواصل التصدي للأميركي، وترفض التراجع، وتتجه نحو حقبة جديدة في العلاقات الدولية، بينما أنتوني بلينكن وزير الخارجية الأميركي في تصريح له في قمة مجموعة العشرين، يعتبر الحرب في أوكرانيا عدواناً روسياً على النظام العالمي برمّته، فما هي أبعاد هذا التصريح وما يقابله من مبادئ للنظام بقيادة واشنطن؟ ناهيك عن مصداقية بلينكن حول روسيا بأنها «باتت معزولة» لا سيما الاتهامات الباطلة التي تروّج لها سياسة الغرب ضدّ روسيا؟
تمضي واشنطن في سياسة الاستفزاز والضغوطات وتزعم أنّ موسكو معزولة، وتعتبر الحرب في أوكرانيا عدواناً روسياً على النظام الدولي، ليتوقف الأمر هنا بتصويب الدقة على المصطلح ذاته بين قوسين «النظام العالمي» الذي واصل الحروب ضدّ معظم الشعوب والبلدان في أفغانستان وليبيا والعراق وسورية ولبنان وفلسطين… فأيّ مقارنة تصحّ؟ بينما الولايات المتحدة التي قامت وحلفاؤها بانتهاك حقوق الشعوب وقتل الأرواح البريئة تنهش بثرواتها وتسرقها، وما يجري في أوكرانيا التي تدعمها وتمدّها بالسلاح والعتاد لا تنظر إليها مقارنة بغيرها؟ تخطئ واشنطن في حساباتها مرة أخرى وتحذر من انحدار في العلاقات معها، إذ استنكر دونالد ترامب مواقفها بغض النظر عن سياساته تجاه الدول، وحذر من التقصير، منتقداً الانحدار التي تعيشه بلاده، مستغرباً تقديم المواعظ إلى العالم، فيما الدماء تسفك في الشوارع الأميركية. فهنا يستوقفنا السؤال بالدقة والتوصيف، فهل يحقّ للولايات المتحدة أن تتحدث عن الحرب في أوكرانيا وتوصفها بأنها عدوان روسي، فيما هي المسبّب الرئيسي والأساسي لهذه الحرب بتحريك أوكرانيا، كوسيلة لتتحوّل إلى شرارة حرب عالمية تهدّد العالم برمّته من المجاعة؟ هل يحقّ لواشنطن الراعي الأول للأزمات السياسية العالمية والاقتصادية والدبلوماسية وما بينهما فايروس كورونا الذي نشرته حول العالم، وتقطع سبل الحالات الإنسانية للدول المتضررة بجائحة كورونا أن تتحدث عن الديمقراطية؟ الجواب لكم؟
بعد أشهر من العملية العسكرية الروسية الخاصة في أوكرانيا لا تزال موسكو صامدة في وجه العقوبات الغربية والدول المتضررة من السياسة العدائية الغربية، حيث ضاقت السبل، وارتدّت على فاعلي الأزمات العالمية والدولية (الأميركي الأوروبي) لحمل أزماتهم المتفاقمة، محمّلين فشل سياساتهم لموسكو وغيرها من الدول التي تقف ضدّ هيمنتها، إلا أنّ صلابة الموقف الروسي يتعلق بأمنه القومي، لا سيما أنّ موسكو تتبنّى ذلك بعد أن يئست من تفاهمات الغرب بكثير من القضايا العالقة دولياً.
أما في ما يخص تصريح بلينكن حول روسيا وما حصل في قمة العشرين وما روّجت له وسائل الغرب ليس صحيحاً، بما فيه تصريح بلينكن، إذ له أسبابه الخاصة وتبعات كلامه هو جزء من الحرب على روسيا، إذ نفت روسيا ذلك وتقول بأنّ وجود وزير الخارجية سيرغي لافروف في قمة العشرين كان ناجحاً جداً، وأنّ من واجه الصعوبات والأزمات والاتهام كان ربما لبلينكن نفسه، وبالتالي هذا الهجوم يدلّ على السقوط الأخلاقي للولايات المتحدة التي حملت أزمة الغذاء والطاقة التي يواجهها العالم لموسكو، ولكن حقيقة الأمر هي واشنطن، والجميع يعلم، بأنّ كلّ دولة مستقلة ذات سيادة تحترم شعوبها ولا تنصاع لسياسة الغرب ولا تخضع لأوامرها، تفرض عليها عقوبات غير شرعية ولا انسانية؟ لأنها تمتاز وتشتهر بالسياسة العنصرية، ونظراً لما قامت به روسيا، أشارت صحيفة «نيويورك تايمز» إلى الفيتو الروسي الأخير في مجلس الأمن بشأن إيصال المساعدات الإنسانية إلى سورية، وتدّعي أنّ هذا الفيتو الروسي يهدّد ملايين السوريين بالجوع وسوف يهدّد أوروبا بالمزيد من الهجرة عن طريق تركيا أو اليونان، طبعاً ربطاً بالمواجهة القائمة حالياً في أوكرانيا وهي متعدّدة ومختلفة، تزعم واشنطن إقناع الصين بعزل روسيا اقتصادياً وسياسياً ودبلوماسياً وهذا كما ذكرت أعلاه جزء من الحرب الشاملة على روسيا التي تقوم بالإجراءات اللازمة لإيصال المساعدات الإنسانية للدول المتضرّرة، وحول موضوع الغذاء والطاقة، إلا أنّ واشنطن تقف نداً بالند للضغط على موسكو وبالإقرار يتهمونها بالأزمات، إلا أننا نلخص المشهد الدولي بالقول :
إنّ الولايات المتحدة تفرض عقوباتها على روسيا وحلفائها ليس عليها فقط، بل على سورية بـ «قانون قيصر» وعلى إيران، وتستنكر من جهة الخطوات الروسية لإنقاذ الدول من السقوط المدوّي، أيّ بمعنى مسموح لواشنطن وممنوع لغيرها.
وبالتالي حاولت الولايات المتحدة بشتى الوسائل خاصة كندا وأستراليا والدول الثلاث التي كانت مع طرد روسيا من مجموعة العشرين، إلا أنّ ما زال هناك أكثر من خمسين في المئة من سكان العالم في هذه المجموعة بالإضافة إلى البرازيل والمكسيك والأرجنتين ودول «بريكس»، كلها تقف مع روسيا وهذا دليل على أنّ روسيا لم ولن تكون معزولة كما روّج البيت الأبيض وأدواته، على العكس تماماً لأن من المستحيل عزل روسيا باعتبارها في المقام الأول تدور حول فلك مصالحها القومية المتبادلة مع هذه الدول.
أخيراً نتحدث عن الديمقراطية التي تتشدّق بها واشنطن وحلفاؤها وشاهدناها في أفغانستان وليبيا وسورية وفلسطين والعراق ولبنان… فهي تتجاهل هذه الشعوب عمداً ولا تنظر لها بشكل إيجابي لأسباب تتعلق باحترام سيادة الدول، وبالتالي هنا نؤكد ربطاً بالمواجهة القائمة بين روسيا والغرب، وقول بلينكن ليس إلا غيض من فيض، وهنا نتحدث عن الموقف الأميركي المتمثل بالرفض عن عالم جديد ما لم يكن بقيادة واشنطن تحديداً، لتبقى وجهات نظر أخرى لمعلقين متناقض حدّ التعبير على المستوى العالمي، خاصة إذا كان يسوده مناطق مختلفة وبيئات أوسع بأساليب مبتذلة يتبادلون الهمس والتهديد لروسيا وغيرها، والأهمّ من ذلك هو تباين الملف من منظور أوسع وتقييمه بشكل صحيح، لأن إذا بدأنا من الأمور الدولية نجد هناك انعكاسات مركزية أميركية في إطار الحرب وتغيير مفهومه بحسب رغبة أميركية وحلفائها.