لماذا تهرّب خصوم المقاومة من مناقشة خطاب نصرالله؟
ناصر قنديل
– لعلها من المرات النادرة التي يبدو فيها مستوى الردود التي تناولت خطاب الأمين العام لحزب الله السيد حسن نصرالله حول ملف النفط والغاز، “من حواضر البيت”، حيث تمّت استعادة كلام مستهلك من نوع الحديث عن قرار السلم والحرب، أو الوقوف وراء الدولة، وخطوط الترسيم، وكلها قضايا لم يتناولها السيد نصرالله في خطابه، لدرجة تخال أن الواحد منهم قرّر واستجاب لطلب إصدار موقف فتناول تصريحاً قديماً وقام بتنقيح كلماته وتغيير تاريخه، كأن لدى اللبنانيين ترف الوقت لهذا النقاش، علماً أن السيد نصرالله طرح على اللبنانيين وقياداتهم أسئلة تستحق النقاش، وتحتمل الاختلاف.
– قال السيد نصرالله إن لبنان ذاهب الى كارثة محققة، وإن الموت على أبواب المستشفيات والأفران ومحطات المحروقات، والفوضى الأمنية، مقبل لا محالة كنتيجة طبيعية لما ينتظرنا خلال شهور قليلة، مستنداً إلى المسار المتوقع لاشتداد عناصر الأزمة، وفقاً للقياس النسبي زمنياً لسرعة التدهور وتسارعها منذ سنتين، فإن بقينا كما نحن فسنكون مع دولار الخمسين ألف ليرة قبل نهاية العام، وسنكون مع نفاد احتياطات المصرف المركزي، وسنكون مع انهيار الدولة ومؤسساتها في ظل ذوبان قيمة الرواتب، ومع إقفال مستشفيات وردّ الناس عن أبوابها ونفاد الدواء، وطوابير على أبواب الأفران ومحطات البنزين. وهذا الموت الزاحف الينا لا يبدو أننا نملك وصفة لرده في ظل ضعف فعالية المعالجات المطروحة في التداول، وفي طليعتها الأطروحة التي يروّج لها الكثيرون حول ان الاتفاق مع صندوق النقد الدولي يشكل مدخلاً للخروج من الأزمة، وكان يمكن للمعترضين أن يدافعوا عن خيارهم هذا، يقدموا الحجج التي تقول كيف يمكن لهذا الخيار أن يخرجنا من النفق المظلم، بأن يبينوا للبنانيين كيف أن قرض الثلاثة مليارات دولار التي سيقدمها صندوق النقد كقروض على مدى أربع سنوات، ومعها ما سيستقطبه الحصول على هذا القرض من قروض أخرى يراهن المتفائلون أن تبلغ أحد عشر مليار دولار، سيفعل ما لم تفعله مليارات أكثر منها أنفقت خلال السنتين الماضيتين من قبل مصرف لبنان، تحت عنوان شراء الوقت بانتظار الحلول الجذرية، فإن كان الحل الجذري هو بأربعة عشر مليار دولار كحد أعلى، فلماذا لم تنقذنا الأربعة عشر مليار عندما كان ظرفنا أقل سوءاً وكيف ستنقذنا وقد ازداد وضعنا سوءاً، وكنا لنشعر بروح المسؤولية عند هؤلاء القادة الذين خرجوا يسجلون انتقاداتهم لكلام السيد نصرالله لو أنهم فعلوا ذلك، فقالوا مثلا إن الكارثة ليست مقبلة، أو أنهم قالوا إن وصفة صندوق النقد كفيلة بتفاديها، أو لو انهم قدموا وصفة أخرى؟
– قال السيد نصرالله إن ثروات النفط والغاز هي فرصة لبنان الذهبية للخروج من النفق المظلم وتفادي الكارثة، وانطلق في وصوله لهذا الاستنتاج من ثلاثة عناصر رئيسية، الأول الحجم التقديري للثروة التي تختزنها المياه اللبنانية، والتي يجمع الخبراء على أنها بمئات مليارات الدولارات. والثاني الظرف التجاري في سوق الطاقة في ضوء تطورات التداعيات الناجمة عن حرب أوكرانيا، التي وضعت أوروبا في دائرة الحاجة للتزوّد ببدائل للغاز الروسي، ما جعل الطلب على غاز البحر المتوسط المقابل للسواحل الأوروبيّة عالياً، وهو فرصة تجارية للبنان تذلل الكثير من عقد التمويل اللازم للتنقيب والاستخراج وتختصر كثيراً الزمن اللازم لذلك، وتزيل تحفظات كثيرة ربما تضعها السياسة على حق لبنان في ثرواته هذه. أما العنصر الثالث فهو أن نيل لبنان حقوقه في النفط والغاز من مياهه الإقليمية يرتبط بإنهاء الترسيم الحدودي البحري الذي يشكل الاحتلال طرفه الثاني، ويلعب الأميركي دور الوسيط فيه، وقد تسبب الطلب التجاري الأوروبي على جعل الأميركي المعني مباشرة بهذه الأزمة الأوروبية وحلها، والإسرائيلي المتطلع لنيل نسبة من الأموال الأوروبية لبيع كميات ضخمة من الغاز والنفط من الحقول البحرية، في وضعية تتيح للبنان إذا نجح برسم معادلة الغاز من المتوسط ما لم ينل لبنان حقه من هذا الغاز، أن يضمن استثمار فرصة الحصول على حقه بالترسيم والاستخراج كثمن لا بد من سداده أميركياً وإسرائيلياً لضمان استقرار الحقول وأمنها واستثمارها، فهل لدى المعترضين على الخطاب حجة يردّون بها على هذه المندرجات، كأن يقولوا مثلاً إن الكميات المتوقعة من الحقول اللبنانية لا قيمة تجارية لها وأن ما يتم تداوله مبالغات بلا أساس، أو أن يقولوا إن الحاجة الماسّة في السوق العالميّة ومساعي واشنطن وتل أبيب لجعل حقول شرق المتوسط بعضاً من مصادر تلبية الحاجة المستجدّة، هي مجرد أوهام فلا أوروبا في أزمة ولا غاز المتوسط جزء من الحل، ولا واشنطن ولا تل أبيب مهتمتان على سبيل المثال، أو أن يقولوا إن دخول لبنان على هذا الخط لن يجدي، لأن التلويح بقطع الطريق على استخراج الغاز من المتوسط ما لم ينل لبنان حقوقه ستجابه بإدارة الظهر، والمخاطرة بالتهديد ستدفعنا نحو حرب خاسرة، فنخسر الحرب ولا نربح الغاز، على سبيل المثال، فليقولوا ذلك لشعرنا أنهم طرف جدّيّ في النقاش بمسألة على هذه الدرجة من الجدية؟
– قال السيد نصرالله إن المقاومة تملك القدرة وتملك الإرادة لتحمل هذه المسؤولية برسم معادلة، لا غاز من المتوسط ما لم يضمن لبنان حقوقه بالترسيم والاستخراج، وإنه أمام لبنان مهلة شهرين للدخول على خط القرار الأميركي الاسرائيلي بالتلاعب بالوقت وتقديم الوعود الكاذبة كما حدث في وعود استجرار الكهرباء الأردنية والغاز المصري منذ سنة، وإذا نجحوا بذلك سيبدأون بالاستخراج والبيع ويفقد لبنان فرصته الذهبية، فهل لدى المعترضين شك بقدرة المقاومة وإرادتها، أم أنهم واثقون بصدق الوعود الأميركية، فليقولوا ذلك إن كانت هذه قناعاتهم فيشعر اللبنانيون أن نقاشاً وطنياً جدياً يجري على مستوى الكلام المقال من جانب قيادة المقاومة، فاللبنانيون يريدون مَن يخرجهم من النفق المسدود، ومن يقدّم لهم حلولاً لا من يفتح نقاشاً حول جنس الملائكة، لأنه إذا كان كل ما قاله السيد نصرالله صحيحاً، فالطريق لتفادي أن يكون ما قاله السيد نصرالله إرادة فريق لبناني دون الآخرين هو أن يتشاركه معه الآخرون، والطريق لتفادي خطر الحرب هو أن يخرج هذا الكلام عن كل اللبنانيين، وقياداتهم، بأن يكونوا على قلب رجل واحد تحت معادلة، لن نموت جوعاً، ومن يريد غازاً من المتوسط عليه أن يسلم بحق لبنان بالمثل، والغريب العجيب ان البعض تحدث عن خطوط الترسيم والسيد نصرالله لم يأت على ذكرها ورفض الدخول في نقاشها مجدداً التزام المقاومة باعتبارها مسؤولية الدولة، كأنهم لم يقرأوا، أو يسمعوا، وردوا فقط لأن عليهم أن يردوا؟
– عينة مما قيل مثلاً، اعتبر رئيس “الحزب التقدمي الاشتراكي” النائب السابق وليد جنبلاط، في تصريح عبر مواقع التواصل الاجتماعي، أن تصريح أمين عام “حزب الله” السيد حسن نصرالله وضع حداً لإمكانية التفكير بالوصول إلى تسوية حول الخط 23، ورأى أن “لبنان دخل في الحرب الروسية الأوكرانيّة، لذا وتفادياً لاندلاعها فهل يمكن للسيد نصرالله أن يحدد لنا ما هو المسموح وما هو الممنوع، وذلك أفضل من أن نضيع الوقت في التخمين واحتياط المصرف المركزي يذوب في كل يوم”. وغرّد رئيس حزب الكتائب سامي الجميل عبر تويتر قائلاً: في الأمس نصّب نصرالله نفسه مرة جديدة رئيساً، رئيس حكومة وقائداً للجيش في آن، مورّطاً شعب لبنان بمغامرة جديدة قد يدفع ثمنها من دون استئذانه”.
– بربكم اٌقرأوا وناقشوا وسنكون فرحين بأن لدينا قادة يقرأون ويناقشون!