فلسطين لا إيران الخاسر الأكبر من زيارة بايدن
ناصر قنديل
– يحاول الإعلام الأميركي والإسرائيلي والخليجي الترويج لمقولة اعتبار إيران الخاسر الأكبر من زيارة الرئيس الأميركي جو بايدن الى المنطقة، من خلال تصوير الالتزامات الأميركية مع كيان الاحتلال بالدعم المالي والعسكري والسياسي من جهة، وإجراءات التطبيع التي ستقوم بها دول الخليج مع كيان الاحتلال من جهة مقابلة، بصفتها خسائر لإيران وخسائر تسببت بها إيران بسبب دعمها لحركات المقاومة في المنطقة من فلسطين الى اليمن، التي تسببت بهذا الدعم الأميركي للكيان وهذا الاقتراب الخليجي نحو التطبيع.
– التدقيق في مفاصل ومجريات الزيارة وخطاباتها السياسية سيكشف لنا أن الرئيس الأميركي جاء يلعب بالإسرائيليين والخليجيين لحساب كسب الأصوات في معركته الانتخابية من جهة، عبر ما تقدمه الصورة المنقولة الى الداخل الأميركي عن “الحنان” الأميركي تجاه “إسرائيل” للتأثير باتجاه ونسبة تصويت اليهود وفعالية اللوبيات الصهيونية لصالح حزبه انتخابياً، ولتظهير السخاء النفطي الذي يأمل بالحصول عليه من دول الخليج عموماً والسعودية خصوصاً، رهاناً على فعالية تأثيره في أسعار أسواق المحروقات على الأميركيين، وتأثير ذلك على وجهة تصويتهم.
– بالتراتب، بعد الربح الأميركي، أو بالأحرى ربح بايدن وحزبه، يأتي الربح الإسرائيلي، بإعلان تطابق الرؤية الأميركية المقدّمة نظرياً تحت شعار حل الدولتين للصراع حول مستقبل القضية الفلسطينية، ليقدم تماهياً مع الرؤية الإسرائيلية، حيث لا مكان للقدس، ولا لوقف الاستيطان، والبحث بإطلاق المسار التفاوضي، وهي العناوين التي كانت تشكل مفاصل التمايز الأميركي عن الرؤية الإسرائيلية، وبدلاً من تخفيض مستوى الدعم الأميركي لـ”إسرائيل” بسبب عدم تجاوبها مع هذه العناوين كما كان يجري عادة في زمن الإدارات الديمقراطية الأميركية خصوصاً، جاء بايدن يعلن التراجع الأميركي عن هذه العناوين لحساب التطابق مع الرؤية الإسرائيلية، ويزيد عليها جوائز مالية وعسكرية يكافئ بها “إسرائيل” على إغلاق الباب نهائيا أمام فرص حل الدولتين، عبر التهويد المتزايد للقدس, تكريسها عاصمة موحدة لكيان الاحتلال، وتنامي تقطيع أوصال الجغرافيا المتصلة للضفة الغربية بالمزيد من المراكز الاستيطانية، واختزال التفاوض بالتنسيق الأمني الذي يجعل السلطة الفلسطينية مجرد جهاز أمني رديف لأمن الكيان إلى جانب أجهزتها لملاحقة المقاومة، لا شريكاً سياسياً.
– على الضفة الخليجية، بمعزل عن حجم الخطوات التطبيعية التي سوف يحصدها بايدن لحساب كيان الاحتلال، ومهما كانت محدودة، تعبيراً عن القلق السعودي من التوازنات الدولية المتغيّرة، وتجنبها الإقدام على خطوات متهوّرة في لحظة تغير الموازين، سيبقى قرار من نوع فتح الأجواء السعودية أمام الطائرات الإسرائيلية الذي استبق وصول بايدن الى السعودية، كافياً لإطلاق الإشارة بأن المبادرة العربية للسلام التي كانت تشكل قيداً ذاتياً عربياً اقترحته السعودية في القمة العربية المنعقدة في بيروت عام 2002، للامتناع عن أية إجراءات تطبيعية إلا ربطاً بحصول الفلسطينيين على حقوقهم السياسية، كما وردت في المبادرة، وبالقياس لما وفرته عمليات التطبيع مع الإمارات والبحرين والمغرب من كسر لهذا الامتناع، سيكون القرار السعودي، الذي سيقال إنه شكلي وهامشي، كافياً لمنح الختم السعودي لمبدأ إزالة الحظر عن التطبيع وربطه بالقبول الإسرائيلي بالمبادرة العربية للسلام، وهذا كاف على الأقل بالنسبة للآن، لكل من واشنطن وتل أبيب، طالما أن الموقف السعودي يقول إن مسألة التطبيع لم تعد مسألة عربية جامعة مرتبطة بالقضية الفلسطينية، بل هي الآن قضية سيادية تخص نظرة كل دولة لمصالحها، وبقياس تخلي العرب سابقاً عن الحرب كأداة لنصرة فلسطين، ثم تخليهم عن النفط كسلاح، يأتي التخلي عن حرمة التطبيع إعلان فك نهائيّ وشامل الارتباط بالقضية الفلسطينية، وإسقاطها من سلم الأولويات والالتزامات العربية.
– يحاول بعض المتحدثين الخليجيين رمي مسؤولية هذا الانهيار الأخلاقي العربي على إيران بالقول إنه لولا الخوف الخليجي من إيران لما حدث ما حدث، لكن ما حفلت به الصحف الإسرائيلية عن التاريخ السري للعلاقات الإسرائيلية الخليجية، وحجم التنسيق والتعاون في مجالاتها المختلفة، يقول ما قالته الصحف نفسها بأن ما نشهده من إجراءات تطبيعيّة ليس إلا نقلاً لما كان في السر إلى العلن، وبالتوازي كيف يكون الذهاب لتقديم الجغرافيا العربية لـ”إسرائيل” التي تزداد فرص المواجهة بينها وبين إيران، نتيجة للخوف الخليجي من إيران، وهو يزيد فرص جعل الجغرافيا الخليجية مجرد حقل رمي إيراني لمواجهة التمدد الإسرائيلي، بينما الطبيعي عندما يكون الخوف المزعوم هو السبب أن تكون النتيجة الابتعاد عن كل استفزاز يمكن أن يصعد فرص الاستهداف.
– كل هذا في كفة، وفي كفة أخرى ما هو مخفيّ بين السطور، بالتدقيق في البيان الأميركي الإسرائيلي المشترك، سنجد كل ما نحتاجه لنعرف أن الأميركي حصل على الموافقة الإسرائيلية على المضي قدماً بالتفاوض توصلاً لاتفاق على الملف النووي مع إيران، وقد تم تزيين هذه الموافقة بتعابير رنانة من نوع التعهد بمنع إيران من امتلاكها سلاحاً نووياً، وجاء ما تلاه من كلام إسرائيلي على لسان مسؤول المخابرات العسكرية في جيش الاحتلال للواشنطن بوست حول أن الاتفاق مع إيران لا يزال الطريق الأمثل لمنع امتلاكها سلاحاً نووياً يفسر هذا الاستنتاج، بعدما حمل بايدن حبات البقلاوة العربية لـ”إسرائيل”، دافعاً من جيوبهم، أثمن ما لديهم، ثمن الحصول على الموافقة الإسرائيلية التي يحتاجها ليعاود التفاوض طليق اليدين.