أولى

«الحاكم» الغارق في المخالفات: ما خوفي من البلل…؟

} أحمد بهجة*

«أنا الغريق فما خوفي من البلل؟»

كأنّ هذا هو لسان حال حاكم مصرف لبنان رياض سلامة، مع تصرّف بسيط يسمح لنا به أبو الطيب المتنبي باستبدال كلمة الغريق بالغارق، لأنّ «الحاكم» غارق إلى أذنيه بالمخالفات القانونية والارتكابات المالية التي باتت كلها مكشوفة ومعروفة، ومفضوحة، وتوجب إقالته من منصبه، أو على الأقلّ وضعه في الاستيداع بانتظار انتهاء التحقيقات والتعقبات ضدّه من القضاء في لبنان ونحو 7 دول أوروبية.

إذن هو الغارق بكلّ هذا، فلا بأس إنْ زادت المخالفات القانونية واحدة إضافية، ولو كانت هي الأخطر، لأنها قد تفيده شخصياً في موضوع الملاحقات داخل لبنان، وهذه المخالفة الجديدة هي المتعلقة بـ «شحطة قلم الحاكم» التي قضت بأن تُحوّل رواتب القضاة العاملين إلى الدولار الأميركي على أساس سعر الصرف القديم (1500 ل.ل.) ثم يقبضون هذه «اللولارات» على أساس سعر صرف 8000 ل.ل. يعني بزيادة تفوق الخمسة أضعاف!

القرار مخالف للقانون بكلّ تأكيد، والمستغرب جداً كيف أنّ القضاة وافقوا على هذا القرار مع معرفتهم الأكيدة بأنه مخالف للقانون، والمستغرب أكثر أنّ الموافقة أتت بشكل جماعي، باستثناء صرخات محدودة من عدد قليل جداً من القضاة الذين لا يتجاوز عددهم عدد أصابع اليد الواحدة، والذين وصلت صرخاتهم إلى وادٍ سحيق حيث لا يسمعها أحد!

اصطفى «الحاكم» القضاة العاملين دون غيرهم من الجسم القضائي نفسه ومن موظفي القطاع العام، علماً أنّ تمويل هذه الزيادة «المكرمة» سيتمّ بجزء منه من مصرف لبنان وبجزء آخر من صندوق تعاضد القضاة، فكيف يُستثنى القضاة المتقاعدون من الزيادة فيما الأموال الموجودة في صندوق التعاضد هي في معظمها مجمّعة مما كان يسدّده هؤلاء المتقاعدون حين كانوا في الخدمة الفعلية!

الخطوة في نظر الرأي العام خطيرة جداً، وهي أخطر على البلد من كلّ ما أضاعه «الحاكم» من أموال وثروات هائلة، كونها تمثل رشوة علنية للقضاة يريد منها صاحبها أن ينجو بارتكاباته من دون محاكمات ولا مَن يُحاكمون!

ثمّ انّ «الحاكم» اختصر كلّ الدولة بشكل غير قانوني! لأنّ قرار زيادة رواتب القطاع العام يُتخذ في مجلس الوزراء ثم يقرّه مجلس النواب ثمّ ينشره رئيس الجمهورية في الجريدة الرسمية ليُصبح نافذاً.

وهناك خطورة كبيرة في هذا القرار قد لا يتنبّه لها كثيرون، وتتمثل في أنّ مصرف لبنان قام مقام خزينة الدولة، متجاهلاً أنّ حَمَلَة سندات «اليوروبوند» يراقبون الوضع عن كثب، وها هم يسرّبون بعد هذه المخالفة أنهم يدرسون رفع دعاوى لا تفرّق بين أصول الدولة وموجودات مصرف لبنان ومنها مخزون الذهب، وذلك تمهيداً لوضع اليد على هذه الأصول! فهل يعي أصحاب الشأن قبل فوات الأوان وضياع هذا القليل المتبقي بعد كلّ ما لحق بالأموال العامة والخاصة من هدر وسرقة وتهريب على مرأى ومسمع ومشاركة «الحاكم» نفسه!

لا بدّ أن يُسارع المسؤولون المعنيون في السلطات التشريعية والتنفيذية والقضائية إلى إلغاء القرار الهمايوني الصادر عن «الحاكم» واعتباره كأنه لم يكن، لأنّ بقاء قرار كهذا، ووضعه على سكة التنفيذ، من شأنه أن يحمل مخاطر جمّة على موجودات الدولة والمصرف المركزي بما في ذلك الذهب، وهذا ما لا يريده اللبنانيون بمجموعهم وهم الذين يكتوون بنار الأزمات المتراكمة على كلّ المستويات، والتي لم يظهر بعد أنّ هناك حلولاً جدية قد تسلك طريقها في المدى المنظور، لأنّ الترف السياسي اللبناني يعلّق كلّ الأمور بانتظار إنجاز الاستحقاقات الدستورية من تشكيل حكومة جديدة وانتخاب رئيس جديد للجمهورية

*خبير اقتصادي ومالي

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى