موسكو: الوكالة اليهوديّة مقابل وقف الغارات على سورية
ناصر قنديل
– يطيب للكثير من الكتّاب المحسوبين على الخط القوميّ والوطنيّ والمؤيدين للمقاومة، أن يشاركوا في كل خطاب تشكيكي بصدق النوايا الروسية تجاه شعوب المنطقة، ويتخذ هؤلاء من علاقة روسيا بكيان الاحتلال نقطة انطلاق لمواقفهم، ويضعون الغارات الإسرائيلية على سورية، خصوصاً بعد التموضع الروسي العسكري في سورية الى جانب الدولة السورية دليلا على معادلة يرغبون برسمها تقول، إن موسكو عندما تضطر للاختيار بين أي عربي بما في ذلك سورية وبين “إسرائيل”، فسوف تختار إسرائيل حكماً. ويصل هؤلاء إلى السخرية من الذين يؤمنون بصدقية التحالف السوري مع روسيا، ولا يترددون باستعمال تعابير تنمّر على من يؤمنون بالتحالف مع روسيا ويصفونهم بـ الأغبياء والجهلة والسذج.
– يخلط هؤلاء غالباً عن عمد بسبب وقوعهم تحت تأثير عقدة الإعجاب والانبهار بالعلاقة مع الأميركي، واعتبار الصراع معها مجرد خصومة، وهنا لا يزعجهم حجم الدعم الأميركي لـ”إسرائيل”، على قاعدة هذا هو العالم، و”إسرائيل” تحتل مكانة مميّزة فيه. ويذهبون من هنا لوضع تأييدهم لسورية وقوى المقاومة، في دائرة كونه مجرّد تحسين للشروط والظروف في بناء علاقة أفضل مع واشنطن.
– يخلط هؤلاء أيضاً بين قراءة قيادة الرئيس فلاديمير بوتين للجغرافيا السياسية ومعادلاتها التي تقول بأن أية مواجهة مع السياسات الأميركية في الشرق الأوسط الذي صارت روسيا لاعباً مهماً فيه، يجب أن يضع في حسابه أن “إسرائيل” قاعدة رئيسية للسياسات الأميركية، لكن هذا التقدير يبقى في خلفية المواقف والخيارات، من جهة أولى، وبين نظام الأولويات الذي وضعته قيادة الرئيس بوتين لدورها في سورية من جهة ثانية، وما يتضمنه من مسعى لتخفيض حدود قدرة حلفاء أميركا على تخريب مسار تعافي الدولة السورية واستعادتها سيادتها ووحدتها. وفي هذا السياق تعاملت روسيا مع تركيا و”إسرائيل” كلاعبين إقليمين فاعلين، تحت سقف تفادي التصادم المباشر، وتخفيض أضرار الحروب الجانبية، ضماناً لنصر تمّ تحقيقه وظهرت نتائجه. ومن جهة ثالثة يجري الخلط بين كل ذلك وبين حجم تأثير اللوبيات اليهوديّة الداعمة لـ”إسرائيل” داخل روسيا، ودور الجالية اليهوديّة المالي والسياسي والإعلامي المؤثر، وما يستدعي من إدارة محسوبة وفق قواعد تتصل بالاعتبارات الداخلية والخارجية معاً.
– في زمن التطبيع العربيّ لا يمكن مطالبة روسيا بأن تتخذ مواقف لا تتناسب مع وضعها كقوة عظمى تنفتح على الجميع، لكنها لا تضع حلفاءها على الطاولة للمساومة مع أحد. وهذا ما تفعله روسيا، وهي روسيا السوفياتية التي وقفت مع العرب في كل حروبهم مع “إسرائيل”، التي كانت تعترف بوجودها وتتبادل معها السفراء، لكن دون أن تتردد في تسليح مصر وسورية بما ضمن نجاح حرب تشرين عام 1973 باختراق الخطوط الاسرائيلية في سيناء والجولان، وكان يمكن للنصر أن يكون أكبر وأوضح وأثمن، لولا مسارعة الرئيس المصري يومها لوقف الأعمال القتالية على الجبهة المصرية تمهيداً لمسار عرف لاحقاً بمسار كامب ديفيد، انتهى بإنهاء التحالف مع الاتحاد السوفياتي وطرد الخبراء السوفيات الذين بنوا شبكات الصواريخ وأشادوا السد العالي.
– خلال حرب أوكرانيا ارتفع منسوب المواجهة الروسية الأميركية ولا يزال، وكلما زاد سخونة ظهر التموضع الإسرائيلي العدائيّ تجاه روسيا أكثر، وظهر من الأزمة التي أعقبت تصريحات وزير الخارجية الروسية سيرغي لافروف عن الرئيس الأوكراني “النازي من أصول يهودية”، أن العلاقات الروسية الإسرائيلية ذاهبة الى محطة أشد تعقيداً.
– في قمة طهران أدان الرئيس الروسي الغارات الإسرائيليّة على سورية بلغة شديدة اللهجة، داعياً الى وقفها فوراً، وفور وصوله الى موسكو أعلنت الحكومة ملاحقة الوكالة اليهودية التي تتولى شؤون الهجرة إلى فلسطين المحتلة، وتمّ اعتبارها كياناً ينتهك القانون.
– تسبّب كلام الرئيس بوتين في طهران كما ملاحقة الوكالة اليهودية الذعر بين القيادات الإسرائيلية، وقرّر رئيس الحكومة تشكيل وفد رفيع للتباحث مع القيادة الروسية.
– في موسكو ثمّة حد أدنى لأية تسوية مؤقتة عنوانه وقف الغارات على سورية.