بهدوء: عندما تثور العصبيّة الطائفيّة ضدّ القانون!
د. عدنان منصور
إلى متى ستظلّ بعض القيادات اللبنانية الروحية والزمنية تتعاطى مع المسائل الوطنية والأمنية والسيادية، من زاوية الانتماء الديني، والتشنج العصبي والطائفي، والمذهبي، في كلّ مرة تضبط السلطة الأمنية المختصة لبنانياً ما، تعاملاً وتواصلاً مع العدو «الإسرائيلي»، وتوقفه متلبّساً بالجرم المشهود، وتحوّله الى القضاء المختص لمحاكمته، عملاً بالقوانين المرعية؟!
لماذا تتحرك الحمية، والعصبية السياسية والطائفية، لقيادات زمنية وروحية، وتنبري فجأة لشنّ حملة شعواء على السلطة العسكرية والقضائية دون وجه حقّ، في كلّ مرة تريد إجراء التحقيق مع فاسد أو محاكمة خائن وتوقيف عميل، تعامل مع كيان العدو بشكل مباشر أو غير مباشر!
لماذا تقيم بعض القيادات الروحية والزمنية الدنيا ولا تقعدها، تجيّش مشاعر أبناء رعاياها، وتشعل غرائزهم الطائفية، وهي تريد أن تقنع العالم، أنّ المتهم او الموقوف بريء، وانّ القضاء يتحامل عليه؟
أليست القوانين اللبنانية التي تلاحق وتطبّق على خونة الوطن وعملاء العدو «الإسرائيلي»، لا تميّز بين الأفراد أياً كان دينهم او طائفتهم أو عملهم او رتبهم، أكان رجل دين، أو أمن، أو مدني، أو قضائي أو عسكري؟!
من قال إنّ العمالة والخيانة مرهونة بدين او طائفة؟! وانّ الوطنية تقتصر على طائفة أو جماعة معينة! لقد سبق أن أوقف في العقود الماضية، العديد من العملاء والخونة الذين تعاملوا مع العدو «الإسرائيلي»، من مختلف الأديان والطوائف، وحوكموا بموجب القانون، لكن أن تثير اليوم جهات روحية وسياسية معينة هذه الضجة غير المبرّرة بالكامل، حيال التحقيق مع رجل دين متلبّس قادم من كيان العدو، إنما يزيد الشرخ داخل البيت اللبناني، ويثير النعرات الطائفية، ويؤججها بشكل حادّ دون مبرّر، اللهم إلا إذا كان هذا الأسلوب في التعاطي يأتي متعمّداً.
مَن يدافع عن مَن؟! أندافع عن الدستور والقوانين، ونحمي الأمن القومي للبنان، ووحدة شعبه؟ أم نحمي العصبية، والإفساد، والخيانة، والعمالة، وما أكثرها في هذه الأيام! لماذا تعمد بعض القيادات الروحية والزمنية من حين الى آخر إلى رفع الخطوط الحمر، في وجه القضاء، وفي كلّ مرة يريد فيها، أن يلاحق مسؤولاً فاسداً أو سارقاً، أو ناهباً، أو عميلاً، أو خائناً، في الوقت الذي لا تتوقف فيه القيادات عن إظهار غيرتها الشديدة، ودعوتها المستمرّة الى احترام الدستور والقوانين، وتفعيل المؤسسات!
على مدى عقود، والبعض في لبنان يظرف العملاء والعمالة لـ «إسرائيل»، ويعطيهم المبرّر في ما قاموا ويقومون به، في الظروف العادية، والاستثنائية مطيحين بالدستور، والقوانين، ومصالح البلاد العليا، لغاية أنه أصبح من الصعب جداً عند البعض، التفريق بين الخيانة والوطنية، بين العمالة والانتماء
بين الصديق والعدو!
ماذا لو انّ الذي أوقف على الحدود اللبنانية ينتمي الى طائفة أخرى، تنطبق عليه المواصفات ذاتها، التي حملت السلطة العسكرية على التحقيق معه، بعد معرفة ما كان في حوزته! هل كانت الجهة الروحية والزمنية لتنتفض وتثور مثل ما تثور اليوم على توقيف واحد من رعيتها؟! وماذا لو أنّ قاضي التحقيق العسكري الذي تولى الموضوع، ينتمي الى طائفة غير التي ينتمي اليها المطران موسى الحاج، ألن يكون هناك على الساحة من سيستغلّ الوضع، ويعطي المسألة بعدها الطائفي، ويعتبرها من باب التشفي، ويأخذها الى مواقع متطرفة، لبنان بغنى عنها!
لماذا هذا السلوك في التعاطي مع حدث حصل، ولماذا الاستثمار السياسي والطائفي في قضية ترتبط برجل دين؟! من قال إنّ التحقيق مع المطران، حول مصدر، ووجهة الأموال المضبوطة، التي جلبها معه من «إسرائيل» تستهدف المقام السامي لبكركي؟! لماذا تظلّ العصبية الطائفية في لبنان تتقدّم على المفهوم الوطني، والصالح العام؟! وإلى متى ستبقى العمالة تطغى على الأمن القومي؟!
إلى متى سيظلّ العملاء والخوَنة يلقون العطف والحماية والرعاية من طوائفهم دون وجه حق؟! أبهذا الشكل تصان سيادة الأوطان، وتحفظ وحدة شعوبها ويُعزّز استقرارها وأمنها؟
هل هذا السلوك يعزز من وحدة الوطن المتصدّعة أساساً! وهل بهذا التجييش الطائفي، والعصبي، والسياسي الذي انفجر كالبركان نحمي الوحدة الوطنية، والعيش الواحد، ونصون القانون ونحصّنه من العابثين به ونقف الى جانبه!
لماذا يريد البعض في لبنان أن يمنح امتيازات لرجال الدين، تمنع عنهم التحقيق والمحاسبة والمحاكمة إذا ما ارتكبوا أفعالاً يعاقب عليها القانون، فيما الدستور في مقدمته يؤكد على «المساواة في الحقوق والواجبات بين جميع المواطنين دون تمايز أو تفضيل»؟! ألا يجيز الدستور إخضاع الرؤساء والوزراء للتحقيق، وتطبيق قانون العقوبات عليهم!
عندما تقوم دولة ما من الدول التي تحترم دستورها، وتلتزم بقوانينها، بمحاكمة شخص ما موقوف بتهمة العمالة أو غيرها من الأسباب التي تستوجب محاكمته، وأياً كان موقعه، ورتبته، مدنياً كان أم كهنوتياً أم عسكرياً، هل يجرؤ مسؤول مدني أو روحي فيها، للنيل من سلطة القضاء، او شنّ حملة شعواء ممنهجة مسعورة، على الجهاز الأمني أو القضائي الذي يتولى المهمة، مثل ما يفعله بعض الغيارى في لبنان، وهم يصرّون في كلّ مرة على الوقوف في وجه القانون، وسير القضاء دون وجه حق، مهما كان الثمن!
لماذا يتعرّض البعض للقضاة والقضاء اللبناني، ويرفع الصوت عالياً في وجهه، إذا ما أراد تطبيق القانون بحقّ رجل دين ما، فيما يلتزم الصمت الكلي أمام حكم غيابي فرنسي صادر بحق كاهن لبناني، قضى بسجنه 15 عاماً بعد إدانته بتهم اغتصاب أطفال، والاعتداء عليهم جنسيّاً؟!
لماذا كلّ هذا الضجيج، والنبرة العالية في لبنان! هل مصالح الطائفة أهمّ من مصالح الوطن وسلامة شعبه؟! وهل العمالة في لبنان لا تمسّ كامرأة القيصر؟! ولماذا نعت القضاء بالانحياز، والتشفي إذا طال أحدهم وأدانه بالوقائع، والبراهين، والأدلة الدامغة!
كفى دفاعاً وتغطية دون وجه حق، عن كلّ فاسد ومفسد في الأرض. وكفى احتضاناً ورعاية لكلّ عميل وخائن للوطن من أيّة طائفة كانت، ومن أيّ دين انتمى.
في لبنان، بلد العجائب، يصادر فيه الحق والعدل. لا يريد أحد ان يعترف بجرم ارتكبه بحقّ شعبه ووطنه، طالما هناك من يعتبر عمله وأداءه، عملاً بطولياً إنسانياً، فيه يخرج السياسي والعميل من السجن بعد انقضاء عقوبته، مرفوعاً على الأكتاف، والحاشية تطوّبه زعيماً وقائداً وطنياً عليها، بعد أن يقذفه القدر إليها، ليُحاط بهالة قدسية لا مثيل لها تميّزه عن غيره، هالة يطبعونها على جبهته بالخط العريض: صنعت في لبنان!
فأيّ وطن نريد أن نبنيه، وأيّ قانون نريد أن نسير به؟! أهو قانون العدالة الإلهية والمدنية، ام «دستور» يهوذا، وقانون ساكسونيا؟!
حذار حذار من أن يغطى الزيّ الديني الذي يحمل في ظاهره المساعدة الإنسانية، وفي داخله ما هو أبعد من التطبيع مع العدو «الإسرائيلي»!
للغيارى على مصالح وطنهم ورعيتهم نذكر بقول السيد المسيح (انجيل متى13:5) «أنتم ملح الأرض، ولكن إذا فسد الملح، فبماذا يملّح. لا يصلح بعد لشيء. إلا لأن يُطرح خارجاً ويُداس من الناس».
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
*وزير الخارجية والمغتربين الأسبق.