حوار كل شيء… شكراً سماحة السيد… شكراً غسان بن جدو
ناصر قنديل
– قد يكون بالنسبة لبعض العشاق لما يمثل الأمين العام لحزب الله السيد حسن نصرالله، غضب واحتجاج على بعض الأسئلة التي طرحها الأستاذ غسان بن جدو رئيس مجلس إدارة قناة الميادين على سماحة السيد نصرالله، وبصورة بدت فجة واستفزازية، لكن الحق يقال إن الطريقة التي أدار بها الأستاذ بن جدو هذا الحوار جعلته من أغنى الحوارات مع السيد نصرالله، وأخرجت منه مواقف ومفاهيم جعلت للحوار نكهة خاصة ومميّزة، بحيث صار الحوار، حوار كل شيء، حوار الاستراتيجية وحوار معادلات القوة، وحوار أزمة الوطن والكيان والثقافة، والعيش المشترك والهوية، وحوار الصراع بين ثقافة المقاومة وثقافة التطبيع، وحوار الملفات الساخنة التي يحجم السيد نصرالله عن مقاربتها، كقضية المطران الحاج، وصولاً للحكومة والرئاسة، وانتهاء بمستقبل المنطقة ومحور المقاومة.
– في الاستراتيجيّة وقضية الترسيم البحري، وملف النفط والغاز، كشف السيد نصرالله عن خلفية معادلة كاريش وما بعد كاريش، والعلاقة بينها وبين المخاوف من تجميد التفاوض مقابل تجميد استخراج الغاز من كاريش، فتكون أيدي الكيان طليقة ما بعد كاريش وأيدي لبنان مغلولة في كل الحقول. كما شرح السيد نصرالله معادلات المقاومة القائمة على الإرادة والقدرة، والمقاومة تملك كل منهما لتقول للبنانيين وللعدو معاً، إن هذه المقاومة ستفي بوعدها بنيل لبنان لحقوقه، مضيفاً معطيات لوجستية تتصل بحركة مسيّرات المقاومة، التي قامت وتقوم بعشرات الجولات في أجواء فلسطين المحتلة وفوق بحرها، معطياً لمفهوم الفرصة الذهبية التي يدعو اللبنانيين حكماً وحكومة وقيادات وشعباً، للوقوف وراء المقاومة لاستثمارها، ومصدر الفرصة من جهة حاجة العالم الغربي للنفط والغاز في ضوء تداعيات حرب أوكرانيا على سوق الطاقة والبحث عن بديل للموارد الروسية، وبالتوازي تماماً تقدير المقاومة أن الأميركي وكيان الاحتلال ليسا في موقع امتلاك الإرادة وامتلاك القدرة للمخاطرة بخوض حرب بخلاف المقاومة، التي لا تريد الحرب لكنها لا تخشاها. وفي ملف الطاقة كانت الإضافة الثمينة ما قاله السيد نصرالله عن أمرين، الأول أن المقاومة مستعدة لتأمين هبة فيول لزوم كهرباء لبنان وحاجاتها اذا كانت الحكومة تملك جرأة قبول هذه الهبة، والثاني أن الحرب اذا وقعت فإن احتمالات ان لا تبقى لبنانية اسرائيلية هي احتمالات كبيرة.
– فتح غسان بن جدو جرح الحياة الوطنية والشراكة ومفهوم العيش المشترك والهوية الوطنية، فلم يلبس السيد نصرالله الكفوف، بل حمل مشرط الجراح وبرفق، راح يخيّط الجرح، ويطرح الأسئلة المفتاحية عن تعريف اللبناني، ولبنان ليس ملكاً لمكوّن واحد من مكوّناته الطائفية، بل هو جميعها، ولا هوية لبنان هي صورة عن مفهوم الهوية التي يرسمها فريق سياسي أو ثقافي من مكوّن، ويجعلها معياراً لقياس درجة لبنانية الآخرين، ويصل الى ان المعيار الأصل هو أن لبنان جاء حاصل هذه الشراكة، وليس موجوداً خارجها لتقاس شروط الشراكة على أساس هذا الوجود الافتراضي لهوية متخيّلة أو ثقافة خاصة، تقاس الهوية على الشراكة ولا تحاكم الشراكة على أساس هوية، واللبنانيون متساوون في الانتساب للبنان، ولا فضل لأحدهم على الآخر إلا بما يمنح للبنان واللبنانيين، والمقاومة تفخر بتواضع أنها قدمت إسهامها العظيم في التحرير والحماية وهي اليوم في قلب معركة من معارك التضحية لأجل لبنان.
– في قضية المطران الحاج، حسم السيد لجهة المعلومات أن كل كلام عن صلة لحزب الله أو أنه كان يعلم مجرد علم، هي أكاذيب وافتراءات، لكن الأهم أنه رغم المراعاة العالية لاختيار الكلمات تفادياً لتصعيد يتخذ طابعاً طائفياً، لم يتحدث السيد نصرالله عن جوهر الأمر بحرج، فالأسئلة التي طرحها توضح الموقف، لماذا الإصرار على مرور المطران من الحدود اللبنانية وليس عبر الأردن، ولماذا الأموال من كيان الاحتلال عمل إنساني، والمازوت من إيران خرق للسيادة، ولماذا توظيف القضية للتحريض ضد حزب الله، ولماذا الإصرار على رفع سقوف بوجه الأجهزة الأمنية والقضاء بطريقة لن تبقي دولة ولا مؤسسات، وكيف يكون طلب قانوني في ملف تحقيق المرفأ اعتداء على القضاء، ويصبح تحقيق إجرائي في أموال عبرت حدود فلسطين المحتلة اعتداء على الكنيسة؟
– لا حكومة، قال السيد نصرالله، والرئاسة بين مرشحين لهم معطيات جدّية ونحن نتابع ولم نقرر شيئاً، وسنتشاور مع الحلفاء وخصوصاً الوزيرين السابقين جبران باسيل وسليمان فرنجية، وفي المنطقة محور المقاومة يتبلور وينمو، والعلاقة بين حركة حماس وسورية في طريق إيجابي يحتاج بعض الوقت، ونحن متفائلون، بعدما حسمت حركة حماس التوجه نحو سورية، وفي اليمن حزب الله ليس وسيطاً بل طرف الى جانب اليمن وأنصار الله، وغرفة العمليات لدى محور المقاومة فعّالة.
– الحوار مرّ في ساعات كأنها دقائق، وما شبع العشاق، أما الأعداء فقد زادت مخاوفهم، وأما الأصدقاء فقد باتوا ليلتهم مطمئنين، يقولون شكراً سماحة السيد، شكراً غسان.