دبوس
بالحتم زائلون
أن تمتلك عقلاً مركّباً محشوّاً بالمقدرة الرصدية لحسابات الربح والخسارة ومفتقداً بسبب ذلك للتلقائية في التعامل مع الحدث قبل أن ترتكب مجموعة معقدة من التقديرات التي تربط الفعل وردّ الفعل بالمنفعة الحسيّة، أو أن تكون ثريّاً متكدّساً تمتلك أجندة مفعمة بالممارسات العابثة والرغبات الساعية دوماً للفرح والمجون وإغراق الذات بالملذات، أن تكون هذا أو ذاك فإنك بالضرورة مقاتل سيّئ، والمفجع للشخصية اليهودية أنها تتمتع بكلتي الصفتين، الفكر المعقد الغير تلقائي، والثراء الفادح…
لذلك فإنني لا أفاجأ بالتقديرات التي تتحدث عن شريحة عظمى في مجتمع الكيان تتشبّث بجواز السفر الآخر، وهي تتحيّن الفرص في حال اندلاع حرب شاملة للعودة من حيث أتت، و»يا دار ما دخلك شر».
معضلة هذا النظام الماڤياوي المغرق في وحشيته أنه وفي حمّى الرغبة الجامحة لإنشاء كيان كيفما اتفق، بالأكاذيب، بالخداع، بالأضاليل، بالهلوسات التلمودية، أوْهَم هؤلاء المغفلين المتعطشين الى وطن وقد أرهقتهم الدياسبورا، بأنّ هناك وطناً وعدهم الله به، بلا شعب، يتلهّف شوقاً لاستيعاب «شعب الله المختار»!
هرطقة وأضغاث أحلام وترّهات ما أنزل الله بها من سلطان، لست أدري أيّ رب هذا الذي يعد شعباً بأرض شعب آخر، لكأنّي به يعطيه ترخيصاً للإبادة، الأرجح انّ هذا الذي تجلّى لهم ووعدهم بأرض الميعاد هو الشيطان بعينه صوِّر لهم بأنه الرب في غلواء رغبتهم ليكونوا كبقية شعوب الأرض، وفي واقع الحال فإنّ هنالك جماعة يهودية أصولية، هي جماعة ناطوري كارتا، تعارض بشراسة أن يكون لليهود وطن قومي، وهم يرون انّ التواجد في الشتات هو قدر رباني عقاباً لهم على الخروج على عهد الله، وأنّ عليهم ان يقبلوا بهذا العقاب، وإلا فإنّ الفناء ينتظرهم إنْ هم أصرّوا على إنشاء وطن قومي.
بالحتم زائلون، علميّاً وجدليّاً وثيولوجيّاً، زائلون، فهم نقيض الطبيعة والفطرة ومنطق التاريخ.
سميح التايه