الوطن

ندوة لبشور في الذكرى السبعين لثورة 23 يوليو/ تموز: “الحركة الشعبية العربية ـ رؤى مستقبلية ومهام راهنة”

نظم المنتدى القومي العربي ندوة في مركز توفيق طيارة بمناسبة الذكرى السبعين لثورة يوليو، بحضور ناموس المجلس الأعلى في الحزب السوري القومي الاجتماعي سماح مهدي، رئيس مجلس إدارة دار الندوة الوزير السابق بشارة مرهج وممثلي الأحزاب اللبنانية وفصائل المقاومة الفلسطينية وجمع من المهتمين.

بداية كلمة ترحيب باسم رئيسة المنتدى بالوكالة الدكتور نشأت الخطيب ألقاها عضو اللجنة التنفيذية للمنتدى محمد جعفر شرف الدين، ثم كلمة الأمين العام السابق لاتحاد المحامين العرب المحامي عمر زين، ثم ألقى الرئيس المؤسس للمنتدى معن بشور محاضرة بعنوانالحركة الشعبية العربية: رؤى مستقبلية ومهام راهنة”.

نص المحاضرة

سبعون عاماً مضت على ثورة 23 يوليو 1952، والتي أطلقها وقادها الزعيم الخالد الذكر جمال عبد الناصر ورفاقه الضباط الأحرار في مصر، وهي حاضرة في ذاكرة الأمّة وفي وجدانها حيث بتنا نقيس في ضوئها الكثير من المواقف والتجارب والأنظمة، بل ويسأل كل عربي وكل مسلم وكل حرّ في العالم نفسه أين نحن من ثورة يوليو ومسارها ومعاركها؟ مما يؤكّد أنّ الأفكار التي حملتها الثورة وجسّدها أبطالها على مدى 18 عاماً هي من القوة في مكان لا يمكن أن يطويها الزمن أو أن تلغي مفاعيلها الأخطاء والنكسات لأنها أفكار المشروع النهضوي العربي المتجدّد كلّ حين بعناصره الستّ الوحدة العربية والاستقلال الوطني والقومي والديمقراطية والعدالة الاجتماعية والتنمية المستقلة والتي أعاد إطلاقها مركز دراسات الوحدة العربية وعلى رأسه النهضوي المتميّز الدكتور خير الدين حسيب (رحمه الله) ونخبة من أهل الفكر والممارسة من أبناء الأمّة في 22 شباط 2010، في الذكرى 52 للوحدة المصرية ـ السورية.

وإذا كان جمال عبد الناصر قد جسّد عبر ثورة يوليو وإنجازاتها العديد من طموحات أبناء أمّته، فإنّ أبناء أمّته اليوم مدعوّون أن يتلاقوا جميعاً حول الأهداف التي حملها ناصر وإخوانه في ثورة يوليو داخل مصر وحركة التحرر العربي خارجها، لا سيّما في أحزاب وتنظيمات الحركة القومية العربية التي شاركت عبد الناصر معاركه ضد الاستعمار وأحلافه الصهيونية ومطامعها.

ومن هنا كان اختيارنا لـحديث الوحدةهذا العنوانالحركة الشعبية العربية: رؤى مستقبلية ومهام راهنة، إيمانا ًمنّا بأنّ استعادة الحركة الشعبية العربية لدورها في معارك الأمّة اليوم هو ضمانة لاستعادة الأمّة لدورها النهضوي، ولرسالتها الخالدة

في الرؤى المستقبلية

إنّ أيّ استشراف للرؤى المستقبلية لأمّتنا يجب أن يعتمد على قراءة العناوين الكبرى لمستقبلنا في الأمّة والعالم والتي ترتكز على الأمور التالية:

  1. 1. إنّ عالمنا اليوم يعيش مرحلة انتقالية يحسم وجهتها الصراع الدائر بين محور صاعد يتمثّل بالقوى الرافضة للهيمنة الاستعمارية والساعية من أجل نظام عالمي أكثر توازناً وأكثر عدالة وأكثر تعددية، وبين محور متراجع يتمثّل بالقوى الاستعمارية وامتداداتها الإقليمية المتمثلة بالصهيونية والأدوات الملحقة

في هذا الصراع تبدو إمكانيات استفادة أمّتنا منه كبيرة إذا نجحنا في توحيد الموقف العربي، وفي إطفاء الحروب والصراعات الدائرة في المنطقة، وفي التخلص من عقلية الإقصاء والإلغاء والإبعاد السائدة في علاقاتنا.

  1. 2. إنّ أمّتنا تواجه التحدي الصهيو ـ استعماري بمقاومة باسلة هي تتويج لمراحل عدة من المقاومة، والتي لم يعد بإمكان أعداء الأمّة القضاء عليها، وهي مقاومة إذا تمّ احتضانها من كافة القوى الحيّة في الأمّة ونجحت في تفادي العديد من المطبات والألغام المزروعة أمامها، وأجرت دائماً المراجعات الضرورية لمسيرتها، تستطيع أن تكون قاعدة مشروع نهضوي في الأمّة لا يكتفي بتحرير الأرض بل يمكن أن يسهم في تحرير الإنسان.
  2. 3. في ضوء هاتين الحقيقتين يمكن أن ندرك أننا نعيش لحظة تاريخية فارقة يتقرّر على ضوئها مستقبلنا، فأمّا أن نعيش حالة من الوحدة والنهوض والتقدّم والنمو بعيداً عن الفساد والاستبداد والتبعية، وأمّا أن نستمرّ في واقع التخلف والتجزئة والانهيار الذي نعيشه حالياً.

وما يقرّر مصيرنا إذن هو قدرتنا على الاضطلاع بمهام راهنة للحركة الشعبية العربية والتي هي موضوع حديثنا اليوم، مع التأكيد دوماً على أنه إذا كانت المبالغة في التفاؤل تقود إلى التهوّر فإنّ المبالغة في التشاؤم تقود إلى اليأس والتراجع والانتحار والانهيار.

مهام عاجلة

1 ـ العمل على تعزيز تكامل القوى الشعبية العربية في كتلة تاريخية تضمّ كلّ المؤمنين بالمشروع النهضوي العربي في ظلّ معادلة رفعتها بعد احتلال العراق عام 2003، وتقوم على أربع ميمات: مقاومة، مراجعة، مصالحة، مشاركة.

2 ـ العمل على إطفاء كلّ الحروب الداخلية والصراعات الأهلية عبر خطاب جديد، وحوار جادّ، وتحديد الأولويات.

3 ـ التأكيد على مركزية قضية فلسطين في نضال الأمّة، لا كقضية تحرير فقط، بل كقضية توحيد الأمّة أيضاً التي قام الكيان الصهيوني بالأصل كمشروع فصل مشرقها عن مغربها، ومصر عن بلاد الشام، لذلك تلازم النضال من أجل فلسطين، مع النضال من أجل الوحدة هو أمر في غاية الأهمية.

4 ـ الخروج من الشعار إلى البرنامج، ومن التزمت الايديولوجي إلى رحاب المشروع الجامع، فلا يضيع الحاضر من بين أيدينا لأننا ما زلنا نعيش انقسامات الماضي وشعارات الاحتراب، ومرارة الصراعات القديمة.

5 ـ إنّ ما نعانيه من صراعات وأزمات وحروب وحصارات في أقطارنا وبينها هي نتاج أمرين في آن معاً: الأمر الأول هو خارجي يتمثّل بالقوى والدول والجهات التي تقف وراء إشعال هذه الصراعات وإدامتها من جهة، والأمر الثاني هو داخلي يتمثل بالخلل القائم داخل أقطارنا ومجتمعاتنا سواء في العلاقات بين الحكام والشعوب، أو داخل الشعوب ذاتها بين التيارات وداخل كلّ تيار، وبين الأحزاب وداخل كلّ حزب، وأن تدرك أنّ الطريق لمواجهة البعد الخارجي يكمن أولاً في معالجة البعد الداخلي، ومعالجة البعد الداخلي تبدأ بأن يقرّ كلّ منّا بالأخطاء التي ارتكبها، ويبدأ بمراجعة نقدية جريئة لتجربته محمّلاً نفسه قبل غيره مسؤولية ما وقع به من أخطاء وخطايا وما ارتكبه من مظالم وجرائم بحق الآخرين.

6 ـ بلورة خطاب وحدوي جامع لا يركز فقط على ما يجمع أبناء الوطن الواحد، بل الأمّة الواحدة، بل أيضاً على إدراك خصوصية كلّ قطر في الأمّة، وكلّ جماعة في الأمّة، وذلك عبر الآليات التي تحترم خصوصيات الأقطار وخصوصية كلّ مكوّن من مكوّناتها.

7 ـ وضع برنامج تنموي سليم داخل كلّ قطر وعلى مستوى الأمّة، وهو برنامج لا ينجح إلاّ عبر توفر ثلاثة شروط رئيسية: أولهما أن لا تنمية حقيقية فاعلة ومستقلة في غياب إطار عربي واسع، بدءاً من سكة حديد عربية واحدة، وإلغاء التأشيرات بين الأقطار العربية، إلى سوق عربية مشتركة، إلى اتحاد جمركي واحد، إلى وحدة اقتصادية مرنة، وثاني الشروط أن لا تنمية حقيقية إلاّ في ظلّ الخروج من اقتصاد الريع إلى الاقتصاد المنتج من جهة، وعبر إعلان الحرب على كافة أشكال الفساد العلنية منها أو المضمرة.. وثالث الشروط ارتباط هذه التنمية بعدالة اجتماعية التي هي ليست فقط حقّ لكلّ مواطن في أمّتنا فحسب، بل انّ تكافؤ الفرص وتوزع الثروات والدخل ضمانة أيضاً لتحريك الدورات الاقتصادية داخل أقطارنا وبالتالي تفعيل عملية التنمية وبناء الاقتصاد المنتج.

8 ـ بلورة برامج تعيد الاعتبار للمرجعية المعرفية العربية من اجل أن تصبح الثقافة في بلادنا أكثر شفافية وتوازناً في التعبير عن إبداعات الأمّة وتطلعاتها، لا سيّما أننا أبناء حضارة عريقة لا نحتاج إلاّ إلى تجددها والتجدد الحضاري هو أهمّ أسس مشروعنا الحضاري.

9 ـ خروج العديد من مثقفينا من حالة الانبهار بالغرب دون التنبّه للأسباب الحقيقية لتقدّم دول الغرب الاستعماري والقائمة على استعماره لشعوب العالم ودون الإدراك للمأزق البنيوي العميق الذي تعيشه هذه الدول.

10 ـ الاهتمام بتعزيز دور الشباب والمرأة في العمل الشعبي العربي نظراً للدور المركزي للمرأة في حياتنا العربية في مجالات عدة، ولأنّ الشباب كما وصفهم الرئيس الخالد الذكر جمال عبد الناصرأنهم نصف الحاضر وكلّ المستقبل، والحرص على ان لا يكون العمر أو الجنس فقط هو المعيار، بل المستوى الفكري والنضالي والأخلاقي الذي يتمتع به الشباب والنساء ومدى قدرتهم على تطبيق القاعدة التي تتحدث عن الجمع بين حيوية الشباب وحكمة الشيوخ، فكلاهما ضروري لأيّ عمل نهضوي تقوم به الأمم.

11 ـ الاهتمام بوسائل التواصل والإعلام البديل لمواجهة الهجمات الإعلامية الضخمة التي تتعرّض لها الأمة بقصد شيطنة قوى التغيير والمقاومة فيها، وبهدف التعمية على مصادر القوة الكامنة في أمّتنا، وبهدف تأجيج الصراعات الأهلية والعصبيات الخبيئة التي تقود الى تقسيم الأوطان وتفتيت المجتمعات.

12 ـ الحرص الشديد على استقلالية العمل الشعبي العربي عن أيّ ارتهان للواقع الرسمي وللمشاريع الأجنبية والعمل على توفير موارد مستقلة لمؤسسات هذا العمل بعيداً عن مصادر التمويل المشبوهة والعمل على تطبيق قانون من أين لك هذا؟ ليس على المسؤولين الرسميين فقط، بل أيضاً على العاملين في المجال الشعبي الحزبي أو الجمعوي أو حتى الإنمائي، وذلك لإعادة ثقة الجماهير بتنظيماتها وحركاتها وجمعياتها الأهلية.

13 ـ السعي الى طرح أطر عمل تنسيقية بين اتحاداتنا ونقاباتنا ومنتدياتنا على المستوى القومي من اجل بناء قاعدة شعبية صلبة لحركة الدفاع عن حقوق الامة وحقوق المواطنين فيها، ومن أجل بناء وحدات على المستوى الشعبي تكون قاعدة موحّدة على مستوى الأمة.

14 ـ تشكيل العديد من الهيئات والمؤسسات العاملة من أجل القضية المركزية في الامة، قضية فلسطين، والسعي لكي تصبح قوى ضاغطة على مستوى الأمة من أجل حق العودة، وحرية الاسرى، وحماية القدس، ومواجهة التطبيع وإزالة كل المعوقات والصعوبات التي تقوم في وجهها.

15 ـ السعي للتخلص من الكثير من الامراض التي تسللت الى حياتنا الحزبية والنقابية ومؤسساتنا الشعبية كتغليب الاعتبارات الذاتية الشخصية أو الفئوية على الاعتبارات الوطنية والقومية الجامعة، وكالغرق في الشللية والتكتلات الشخصية على حساب الأطر الواسعة والجامعة، وكاعتماد التشهير والتهاتر واطلاق الاشاعات الكاذبة والنميمة بين أبناء المعسكر الواحد بقصد تمزيق الروابط القائمة بين أعضائه وافتعال الخصومات غير المبررة، والعداوات المريضة، بين الافراد والجماعات، وحتى بين الدول والأمم، وتجاهل الأعداء الرئيسيين للأمة من استعمار وصهيونية وأدواتهما واصطناع أعداء وهميين بديلاً عنهم.

16 ـ إدراك الدوائر الخمس التي ينبغي التعامل معها والتكامل بينها، وهي الدوائر المحلية التي يمكن تسميتها بالدائرة الوطنية، والدائرة العربية التي يمكن تسميتها بالدائرة القومية، والدائرة الإسلامية التي يمكن تسميتها بالدائرة الحضارية، والدائرة الأفريقية التي يمكن تسميتها بالدائرة الاستراتيجية، والدائرة العالمية التي يمكن تسميتها بالدائرة الأممية، والسعي لإزالة كلّ أسباب التباعد بين هذه الدوائر، وداخل كل واحد منها، والتركيز على تطوير المشتركات التي تربط بينها جميعاً سواء في قضايا التحرر من الاستعمار والصهيونية، أو قضايا التنمية والعدالة الاجتماعية، وبالتأكيد في قضايا الديمقراطية والمشاركة وحقوق المواطنة

17 ـ يبقى كلمة أخيرة ومخصصة للأوضاع في لبنان والتي لا تختلف عن الأوضاع في العديد من أقطارنا العربية التي تعاني من أزمات ناشئة عن التبعية ومعانيها المتعددة، والفساد بأشكاله المختلفة، والاستبداد بأنواعه المتجدّدة، وهي أن علينا أن نربط نضالنا ضد الفساد والهدر ونهب أموال الناس، وضدّ المنظومة الحاكمة الفاسدة، بنضالنا ضدّ العصبيات الطائفية والمذهبية الحامية الحقيقية لنظام المحاصصة المسؤول عما نعانيه من فساد وضدّ المخططات الصهيو ـ استعمارية التي تريد أن تدمّر مقوّمات أوطاننا ووحدة مجتمعاتنا، كما تريد أن تنهب ثرواتنا وخيراتنا، وأن ندرك أن لا خلاص للبنان، كما سائر دولنا العربية، إلاّ بالتشبيك مع محيطه العربي ومع دول صديقة وشقيقة بعيداً عن الانصياع غير المبرّر لمشيئة قطب عالمي واحد.

أننا نأمل أن تنال هذه الأفكار والمقترحات اهتمامكم التي نعمل جميعاً على استنهاض أمتنا من الواقع المرير الذي نعيشه والذي نعتبر انه رغم كل شيء واقع مؤقت

طبعاً انا متفاءل رغم كلّ ما نواجهه من صعوبات، لأنني من الواثقين بمستقبل الأمة

مقالات ذات صلة

شاهد أيضاً
إغلاق
زر الذهاب إلى الأعلى