سورية مركز القرار العربي…
رنا جهاد العفيف
سورية امتلكت ناصية إقران القول بالفعل، واستكناه أبعاد الزمان وآفاق المكان، وغدت بكلّ المواقف خصال الإرادة العربية العليا، ورمزاً للإباء القومي الراسخ، وانطلاقاً من هذه المبادئ والمواقف، تشهد دمشق حراكاً دبلوماسياً غير مسبوق، إذ حمل وزير الخارجية الجزائري رمطان لعمامرة رسالة إلى الرئيس السوري الدكتور بشار الأسد من نظيره الجزائري عبد المجيد تبون، لم تفصح الدبلوماسية الجزائرية عن مضمونها، لتتصدّر المواقف التي أطلقها خلال مؤتمر صحافي مع نظيره السوري د. فيصل المقداد، وترقب عالمي كبير عما إذا كانت سورية ستعود إلى جامعة الدول العربية مع اقتراب موعد القمة العربية التي تستضيفها الجزائر في تشرين الثاني نوفمبر المقبل؟
فهل تطغى المصالحات الثنائية على مسار التوافق العربي الشامل مع دمشق، وأيّ عوائق تقف أمام المسعى الجزائري لحضور سورية القمة العربية؟
رمطان لعمامرة في دمشق يحمل في جعبته رسائل متبادلة بين الرئيسين الجزائري ونظيره السوري، إذ لم تفصح الدبلوماسية الجزائرية عن فحوى الرسالة المنقولة، والردّ السوري عليها، لا سيما تطوير وتعزيز العلاقات الثنائية بين البلدين يتصدّر المواقف، ووسائل إعلامية تترقب الإجابة عما إذا كانت سورية ستعود إلى الجامعة العربية أم لا؟ ولكن على ما يبدو هناك أمور أخرى تجري وقد لا تظهر حالياً، نظراً للأحداث السياسية المترافقة مع الحراك الدبلوماسي، وهو يمكن تصنيفه بالإيجابية السياسية نوعاً ما، فدمشق شهدت خلال العامين حركة دبلوماسية نشطة، وقد صرّح بعض المراقبين بأن لا نرفع سقف التوقعات كمحللين، ولكن على عكس ذلك سقف التوقعات بغض النظر عن التحليلات الأخرى، تقرأ المشهد السياسي بزواياه المختلفة وبتفاصيله الدقيقة، وفق المنظور الاستراتيجي والسياسي والاقتصادي والدبلوماسي لسورية تحديداً لأنها تؤمن بالكفاح السياسي الراسخ في المنطقة وعلى مستوى اقليمي ودولي، كلها تؤكد أنّ هناك خيطاً سياسياً رفيعاً لا يُرى بالعين المجردة بين دمشق ودول عربية قد يكون، وهو قائم بالتنسيق مع دول عربية بمعزل عن وضعها في جامعة الدول، وإنْ عادت سورية أم لم تعد، فهي حاضرة بقوة في وجدان المناخ العربي شاء من شاء وأبى من ابى، وعلى جميع الدول العربية أن تعلم أنّ سورية هي من تقود النصر والانتصارات، لأنها بوصلة النضال العربي.
وفي ذات السياق انعكست تصريحات الوزيرين المقداد ولعمامرة في دمشق، وسبقها إعلان الامين العام المساعد للجامعة العربية حسام زكي أنّ الموقف من عودة سورية إلى جامعة الدول يحتاج إلى توافق لا يزال بعيداً، بسبب تحفظات بعض الدول، مثل قطر التي استخدمت مجلس حقوق الإنسان الشهر الماضي للتصويب على دمشق!
لا يخلو الأمر من الرمادية أحياناً، قد يكون توافق أو ربما لا يكون، وربما هناك حراك دبلوماسي مترافق مع الاتصالات، ولكن لا تظهر للعلن ربما، في أوساط الترقب الإعلامي عن الجواب، انتظروا قليلاً، ستصلكم الإجابة من خلال التطورات الإقليمية والدولية الكبيرة والمهمة، وهذا يصبّ لمصلحة سورية العربية، وإن كان هناك تشويش أو لنقل لم يكتمل المشهد السياسي، ولكن دعونا نستبق الأمور ونجازف إنْ صحّ التعبير، بشأن تغيير نظام السياسة العالمية، وقد يقول البعض هذا يستغرق وقتاً، إلا أنّ الأمر إذا كان مرتبطاً بالحلّ السياسي أو الحوار السياسي، أو العملية السياسية، أو الأزمات فهذا صحيح قد يستغرق وقتاً، أما إذا تخطوا الملفات الشائكة مبدئياً، لفكّ عقدة التوافق العربي أقلّ ما يمكن، فهذا سيفتح آفاق للحلول السياسية العالقة بين كلّ الدول، ولو تطلب ذلك أن يسير الحلّ رويداً رويداً، وتتبلور نتائجه عاجلاً أم آجلاً، في حال اتخذت الدول العربية مواقف جادة قد تبصر النور في قمة الجزائر…
والجزائر اليوم لا يهمها القمة بحدّ ذاتها بقدر ما يهمّها أن يكون هناك إجماع عربي او موقف عربي مشترك لمواجهة التحديات وهيمنة الغطرسة التي تخيّم على سحابة القمة والمنطقة .
وما بين مؤيد ومعارض تسعى الجزائر بدورها لتكون قمة ناجحة لا يوجد فيها خروقات، وقد يبدو أنّ هناك مباحثات ومشاركات عربية، إضافة إلى حراك عربي نشط تجاه سورية غير الذي شهدناه سابقاً، وكذا موضوع القمة إنْ حصل سيعكس مرآة العالم، كما قال الرئيس بشار الأسد، أيّ بمعنى إنْ حصلت مبادرة عربية حقة تميّز مشروع النضال، تكون بذلك سورية حققت انتصاراً سياسياً عالي المستوى في الريادة السياسية يستأهل توظيفه في الوطن العربي، وإذا كانت هذه الدول العربية تؤمن بسورية وقدراتها النضالية، تكون بذلك أمسكت بدفة النضال متحدية كلّ الأنواء التي واجهت مسيرتها الوحدوية العملاقة خاصة في مواجهة المعركة السياسية التي تواجهها مع الغرب، وفق منظور التطورات…
وعلى الصعيد السعودي يبدو أننا مقبلون نحو قمة إيرانية سعودية علنية، ومصالحة بين الخليج العربي وإيران، وهذا كله سيصبّ في مصلحة دمشق، إذ كانت هناك شروط تعجيزية في السابق تجاه دمشق أحدها قطع علاقاتها مع إيران لكي تعود إلى الحضن العربي، واليوم هذا الشرط لم يعد موجوداً، وعادت هذه الدول العربية إلى الحوار مع إيران، لذلك هذه التطورات لها أولويات جديدة مختلفة الشكل والمضمون تماماً لتبقى سورية في مركز القرار العربي، ويدخل إليها العالم السياسي من بوابة التاريخ المعاصر.