رسالة المقاومة لناهبي الشعوب كفى: لستم عالماً أوّلَ ولسنا عالماً ثالثاً
خضر رسلان
في نظرية التبعية لمفكرين غربيين ارتبط “العالم الثالث”، او ما اصطلح على تسميته في أوائل الستينيات من القرن الـ 20 “البلدان المتخلفة”، بفكرة أنها مجموعة الدول غير مكتملة الأركان وتهيمن عليها بلدان لا يمكنها العيش أو البقاء من دون دعمها وهذا ما يزيد من التدخلات السياسية والهيمنة على النظام السياسي داخل الدولة.
إنّ ما يسمّى دول “العالم الأول” يقع أكثرها في شمال الكرة الأرضية، بينما دول “العالم الثالث” تقع في جنوبها، وللمفارقة فإنّ دول الشمال كانت في أكثرها مستعمِرة لدول الجنوب وتحديداً في أفريقيا وآسيا، وعمل المستعمرون على هيكلة أنظمة حكم محلية تابعة لها تضمن لهم سلب وقرصنة مقدرات هذه الدول من المعادن المهمة المتوافرة بكثرة في دول الجنوب، والتي تحتاجها دول “العالم الأول” وتجعلها تتحكم باقتصاديات الشعوب ومن ضمنها النفط كمصدر أول لتأمين الطاقة والوقود من بعد الفحم الحجري في حينه. وقد رافق ذلك انتهاج سلوك انتهازي مورست خلاله أبشع وسائل استغلال هذه الشعوب لا سيما في العمل والرق والتمييز العنصري.
الوقاحة والنفاق جزء من طبيعة السياسة في الغرب والتعدي على حقوق ومصالح الشعوب الأخرى جزء من ثقافتها. وهو عوض أن يدفع الأمم إلى التحضر (كما تدّعي وثائق عصبة الأمم). ذهب ليقتل ويستعبد وينهب، دونما حياء ولا وجل.
وضمن هذا السياق لم يتورّع الغرب المتحضّر عن إبادة شعب بكامله قتلاً وتهجيراً واحتلالاً كما جرى في فلسطين بدءاً من يوم الثاني من تشرين الثاني لعام 1917، حين وعد وزير خارجية بريطانيا، آرثر بلفور، الصهاينة، بما يسمّى “وعد بلفور”، وهو وعد من جهة لا تملك الى جهة لا تستحق. وهنا برزت مصاديق النفاق الأوروبي في فلسطين حيث تشاركت بريطانيا التي تدّعي أنها رائدة أصول التعامل الأنيق، واللغة المخملية، والتي لم تترك انتهاكاً إلا وارتكبته مع من كانوا تحت وصايتها من عرب وهنود وغيرهم ممن يسمّون عالماً ثالثاً الى باقي دول الغرب التي وافقت بعد عام واحد على جريمة بلفور بدءاً من فرنسا الأنوار والثقافة التي اعتذرت لأسرة ضحية فرنسي تمّ تعذيبه وإعدامه في الجزائر. ولكنها لم تجرؤ على الاعتذار عن مئات الآلاف من الجزائريين الذين عذبوا وأعدموا من قبل جلاديها. الى إيطاليا التي لم تصنها مساهماتها الثقافية البارزة في النهضة الأوروبية الى الانحدار والموافقة على وعد بلفور، ما يؤكد أنّ الوقاحة والنفاق جزء من طبيعة السياسة في الغرب وصولاً الى الولايات المتحدة الأميركية التي وافقت رسمياً على اغتصاب فلسطين عام 1919، وهل يحتاج أحد إلى أن يتعرّف على جرائم الولايات المتحدة ضدّ ملايين البشر على طول المسافة من فيتنام إلى أميركا اللاتينية الى سجن ابوغريب في العراق؟
هذا العالم الأول، كما يدّعي، استباح معظم دول ما يسمّى العالم الثالث سواء في أفريقيا او آسيا وبعض القارة الأميركية واضعاً اليد على المقدرات والثروات والأنظمة، كلّ ذلك من أجل رفاهية مجتمعات العالم الأول وفي سبيل ذلك ولضمان الاستئثار في الهيمنة والقرصنة عاثوا فساداً وتنكيلاً وقتلاً ومجازر وفرضاً للعقوبات والقرصنة خلافاً للقوانين الدولية ودون رقيب او حسيب.
ـ المقاومة: معادلة الغاز مقابل الغاز سقوط العالم “الأول”
1 ـ في سياق نظرية حق العالم الأول وطاغوته الأكبر في التحكم والتسلط على شعوب الأرض مارست الولايات المتحدة الأميركية ما تدّعيه حقها في الوصاية على دول ما يسمّى العالم الثالث ومن ضمنها لبنان، حيث قامت ومنذ سنوات بسلسلة طويلة من الإجراءات الظالمة وضعت فيها الشعب اللبناني تحت نير الحصار الاقتصادي والسياسي، ومن ثم سنّت قانوناً أسمته “قيصراً” وبقرار أحادي مخالف للشرائع والقوانين الدولية لإنهاك الشعب اللبناني جوعاً وعوزاً ومنعه من الاستفادة من ثرواته الغازية والنفطية. والهدف إجباره الخضوع لشروطها المتضمّنة التخلي عن عناصر قوته والتطبيع مع الكيان الصهيوني.
2 ـ المتغيّر الأوروبي والنفاق الغربي:
ان يجوع الشعب اللبناني (العالم الثالث) ولا يجد سبيلاً للطاقة سواء للإنارة او للتدفئة، فتلك مسألة لا تحرك ما يسمّى مجتمعاً دولياً ولا مؤسسات حقوق الإنسان، أما افتراض أن تتعرّض أوروبا والعالم الأول الى أزمة غاز وتدفئة نتيجة للحرب الروسية الأوكرانية فهذا يتطلب فعل المستحيل لإنقاذه؛ إنها سياسات النفاق والتي هي تعبير مباشر عن مشاعر القوة الممتزجة بالوقاحة المرتكزة على استعلاء عنصري تجيز محاصرة وتجويع شعب وفعل المستحيل لإنقاذ آخرين.
3 ـ رسالة المقاومة رسالة عالمية تعمل على إعادة التوازن للقيم الإنسانية، حيث إنه لا تمايز بين البشر، ولكلٍّ الحق في العيش بحرية وكرامة وفق معايير الحرية والعدل والإنسانية.
صحيح انّ المقاومة في رسالتها وتأكيدها انّ الغاز مقابل الغاز وأنها على أهبة الاستعداد وجاهزة لكلّ الاحتمالات وتمتلك القدرات النوعية التي تحمي لبنان من الاعتداءات الصهيونية، فضلاً عن ردع وكبح جموحه عن شنّ ايّ حرب جديدة، فإنّ الأصحّ أنّ المقاومة فرضت منظومة قيم طبيعية تساوي بين البشر في الحقوق والعيش الكريم حيث لا مكان بعد اليوم لعوالم متفاوتة من حيث العلو والدونية، ومقولة العالم الأول انتهت الى غير رجعة، فكما أنّ الشعب الأوروبي له الحق في العيش الكريم والطاقة والتدفئة فإنّ شعوب منطقتنا أيضاً يجب ان تتوفر لها كلّ أسباب العيش الكريم في المأكل والمشرب والطاقة بكلّ أشكالها دون منّة من أحد.
رسالة المقاومة تقف على قدمٍ راسخة ثاتبة، تعمل لتأمين المستقبل الحرّ للأجيال، ولصناعة الأوطان الحرّة والأمّة الحرّة، في هذا الزمن الذي لا يحترم إلا الأقوياء!