ثلاثة أسباب دفعت أوروبا لاستئناف المفاوضات النووية
حسن حردان
ما الذي استدعى جولة جديدة من المفاوضات النووية في فيينا، قد تكون النهائية، على الرغم من حزمة العقوبات الأميركية الجديدة التي فرضت على إيران، وردّ طهران بتشغيل أجهزة طرد مركزي متطورة في برنامجها النووي…
يُقال إنّ مسؤول السياسة الخارجية في الاتحاد الأوروبي جوزيف بوريل قدّم مقترحاً لاتفاق مرحلي أخذ فيه ببعض المطالب وترك مطالب أخرى للتفاوض.. هل من الممكن ردم الفجوة بين إيران وأميركا، أم أنّ واشنطن ستستمرّ في موقفها الرافض تلبية مطالب طهران؟
مقترح بوريل يشتمل على صيغة حلّ وسط يلبّي جزءاً من مطالب إيران، ويبقي على الجزء الآخر رهن التوافق الإيراني الأميركي… فما هي هذه الصيغة:
العودة إلى اتفاق عام 2015 على قاعدة رفع العقوبات الأميركية الاقتصادية والمصرفية عن إيران وشركاتها ورفع الحظر عن أموال إيران المجمّدة في المصارف الأميركية والغربية، مقابل عودة إيران إلى التزاماتها بالاتفاق، وتأجيل المسائل الخلافية لا سيما رفع الحرس الثوري الإيراني عن قائمة الإرهاب الأميركية، ومطالبة طهران بضمانات أميركية لعدم تكرار انسحاب أميركا من الاتفاق، مقابل احتفاظ إيران بما لديها من كميات يورانيوم مخصب، وأجهزة طرد مركزي متطورة، على انّ البحث في هذه المسائل الخلافية سيتمّ خلال الستة أشهر المقترحة للاتفاق لبناء الثقة، وتقريب وجهات النظر للتوصل إلى اتفاق نهائي يوقع بين الأطراف الدولية المعنية…
لكن السؤال الذي يطرح في هذا الصدد هو، لماذا هذا السعي الأوروبي لتقديم اقتراحات للتوصل إلى اتفاق مرحلي والعمل على بناء الثقة؟
ولماذا تبدي واشنطن الاستعداد للعودة إلى المفاوضات؟
في هذا السياق يمكن رصد ثلاثة أسباب تدفع أوروبا ومن ورائها أميركا إلى ذلك، وهي:
السبب الأول، حاجة أميركا والاتحاد الأوروبي للنفط والغاز الإيراني، للاستغناء عن الغاز والنفط الروسي، او تأمين النقص في إمدادات الغاز الروسية قبل قدوم فصل الشتاء..
السبب الثاني، القلق الغربي من التطور الملحوظ في برنامج إيران النووي والذي حقق قفزات نوعية مع تشغيل إيران أجهزة طرد مركزية أكثر تقدّماً…
السبب الثالث، والقلق الغربي من التطوّر الهامّ في العلاقات الاقتصادية بين إيران وروسيا والصين، وبالتالي فشل العقوبات الأميركية في حصار وعزل إيران.. لا بل انّ تشديد العقوبات أدّى إلى بدائل اقتصادية إيرانية غير مشروطة، تغني إيران عن إغراءات الغرب الاقتصادية المشروطة، وهي بدائل روسية صينية توفر استثمارات كبيرة في شتى المجالات في إيران، الى جانب تعزيز التبادلات التجارية بين البلدان الثلاثة بالعملات الوطنية بدلاً من الدولار..
انطلاقاً مما تقدّم، يتضح انّ الاتحاد الأوروبي ما كان ليتحرك ويقدم الاقتراحات، لولا انه لم يشعر بأنّ مسار الأمور لم يعد يسير في مصلحته، بل انّ إيران باتت تسير في اتجاه يقودها إلى الاستغناء عن الاتفاق والعلاقات مع الغرب.. وبالتالي وجد الغرب أنّ الوقت لم يعد يعمل لمصلحته، وانّ حاجته للاتفاق مع إيران باتت اكثر من حاجة طهران له.. مع العلم انّ إيران لها مصلحة بالاتفاق لما له من انعكاسات ايجابية هامة على اقتصادها وتعزيز دورها الإقليمي والدولي كلاعب مهمّ في سوق النفط والغاز من ناحية، وكدور مؤثر في المنطقة من خلال علاقاتها مع أطراف محور المقاومة وزيادة منسوب الدعم لها مع عودة ارتفاع عائدات إيران المالية ان كان نتيجة بيع النفط والغاز، أو كان نتيجة استرداد أموالها المجمّدة في البنوك العالمية من ناحية ثانية، وهو ما يقلق كيان العدو الصهيوني ويجعله يعمل على عرقلة مثل هذا الاتفاق..
لهذا إذا كانت هناك من إمكانية أو فرصة للتوصل إلى اتفاق هذه المرة فإنها تعود بالدرجة الأولى إلى حاجة الدول الغربية الماسة الى ذلك…