مرحلة فرض الوقائع وصياغة التوازنات …
نمر أبي ديب
بالرغم من تطورات المشهد العالمي وإنعكاساته السلبية على مُجمل دول المواجهة، حقق لبنان في ملف الترسيم البحري خطوات متقدمة حقيقية وثابتة على مسار الانتقال التدريجي بالموقف السياسي والجهوزية العسكرية من خطوط الدفاع الاستراتيجية، إلى مراحل فرض الوقائع في المعادلة النفطية، والشروع في «صياغة عناوين التحول السياسي والعسكري» وفق معايير وجودية وتوازنات ميدانية أثبتت فيها الجهوزية اللبنانية بـ «الاعتراف الإسرائيلي» قدرة لبنان على خوض حروب استثنائية، والذهاب في المواجهة العسكرية إلى مساحات الترجمة الميدانية للحدث، في مشهد عجزت الولايات المتحدة الأميركية بشخص عاموس هوكشتاين ومعها «إسرائيل»، عن احتواء مفاعيله السياسية، وأيضاً مؤثراته الاقتصادية العابرة في بعديها السياسي وحتى العسكري لجغرافيا «الغاز الإسرائيلي» من جهة، والأمن النفطي في المتوسط من جهة ثانية، انطلاقاً من عوامل عديدة، من مؤثرات استراتيجية أكَّدت عليها جملة مسلمات من بينها «الإلزامية الزمنية» التي حدّد من خلالها «لبنان» خطوط الفصل السياسي والانتقال الهادف والمُمَنهَج من مراحل تفاوضية إلى أخرى عسكرية باتت فيها المعادلة اللبنانية محصورة في عنوانين، قبول القوى المفاوِضَة في شقها «الأميركي» من خلال هوكشتاين و»الإسرائيلية» بالشروط اللبنانية أو الدخول في مواجهات عسكرية غير مضمونة النتائج لإسرائيل بالدرجة الأولى وأمنها النفطي مستقبلاً.
ثانياً المتغيّرات الجوهرية في مقاربة الوسيط الأميركي عاموس هوكشتاين لملف الترسيم البحري بين لبنان والكيان «الاسرائيلي» والانتقال في السياسة التفاوضية والأداء من معادلة (لا نتطلع إلى قانونية ما يحصل في ملف الترسيم، إنما إلى ما يمكن أخذه) كما ورد سابقاً في تصريحات هوكشتاين، إلى مراحل تلمّس الضمانات اللبنانية والمطالبة بعدم التعرّض للمنشآت النفطية التي يشغلها «الإسرائيلي» في كلّ من «كاريش» ومجمل النقاط النفطية المنتشرة داخل فلسطين المحتلة…
نتحدّث اليوم عن انتقال مُربك في السياسات «الإسرائيلية» وأيضاً في النتائج الاستراتيجية المترتبة تباعاً على مُجمل الأحداث المتلاحقة إلى مراحل تقديم التنازلات السياسية المؤلمة في ملف «الترسيم البحري» تحديداً، كما وصفتها جهات «إسرائيلية» عديدة، وهنا تجدر الإشارة إلى الفوضى التفاوضية التي تعيشها «إسرائيل» في مقاربة ملف ترسيم الحدود البحرية مع لبنان والتنازلات «الإسرائيلية» المؤلمة التي قدّمتها السلطة السياسية وما زالت، تجدر الإشارة إلى إمكانية تأجيل استخراج الغاز من حقل كاريش كما أفادت وسائل إعلام عبرية، وما تتضمّنه هذه الإشارات من علامات سياسية فارقة، مؤثرة وأساسية في صياغة المستقبل «الإسرائيلي» من جهة، وتثبيت متأخر لموازين القوى الجديدة السياسية وحتى العسكرية التي أفرزتها حرب تموز 2006، وأكدت من خلالها على جملة عوامل سياسية وحتى عسكرية من بينها معادلة الردع اللبنانية التي رسمت من خلالها «فلسفة القوة» خطوط المواجهة الحالية بين لبنان والكيان «الإسرائيلي» وفقدت من خلالها «إسرائيل» عوامل استراتيجية عديدة، وأخرى بارزة من بينها تصدّر الواجهة الإقليمية عسكرياً، وامتلاك قرار الحرب.
انطلاقاً مما تقدّم تعيش المنطقة ومن ضمنها لبنان مراحل استثنائية في «طبيعتها الوجودية»، وأيضاً في عناوينها السياسية، النفطية وحتى الاقتصادية العابرة للجغرافيا الإقليمية من جهة، وأيضاً للمُسلمات التاريخية التي جسَّدت بفعل «التحوّلات الاستراتيجية» موازين قوى إقليمية جديدة وقدرات ردع عسكرية سمحت في عودة لبنان، ومن بوابة الترسيم البحري إلى دائرة الاهتمام الدولي، بالتزامن مع دخول الكيان «الإسرائيلي» بجميع مكوناته الداخلية ومقدراته السياسية والعسكرية زمن الخيارات الصعبة، و»التنازلات المؤلمة» التي أكَّدت من خلالها جهات «إسرائيلية»، عبر وسائل إعلام عبرية، أنّ الاتفاقية التي تتبلور مع لبنان في ملف الترسيم البحري هي (استسلام إسرائيلي كامل يقابله انتصار كبير للبنان) في مراحل فرض الشروط السياسية، وتحصيل الحقوق النفطية.
ما يجري اليوم في الساحة الفلسطينية هو هروب «إسرائيلي» من أمر واقع سياسي وآخر نفطي فرضه لبنان، بموازين القوة الجديدة ومعادلات الردع الاستثنائية على الساحة الإقليمية، ما يجري اليوم قراءة محسوبة النتائج لفعل «إسرائيلي»، يُراد من خلاله صياغة المواقف الاستراتيجية في ملفات عديدة من بينها الترسيم البحري على قاعدة «تأجيل التوقيع» لتمرير الانتخابات التشريعية «الإسرائيلية» بأقلّ خسائر ممكنة.