الاتفاق على تهدئة في غزة وتحقيق مطالب حركة الجهاد ..
رنا جهاد العفيف
ثلاثة أيام من العدوان الغادر، والاتفاق على التهدئة في غزة بعدها، وحركة الجهاد الاسلامي تفشل التصعيد «الإسرائيلي» وأهدافه المتنوعة، ونحو ألف صاروخ وأكثر أطلقت نحو المستوطنات، ناهيك عن الأوساط الإعلامية «الإسرائيلية» التي تتحدث عن مؤشرات بائسة للمنظومة، ووصف ما مرّ على غلاف غزة بـ «الجنوني»، كيف رسمت سرايا القدس الخطوط الحمر خاصة أنها كشفت عن سلاح كاسر للتوازن، وهل الاتفاق على التهدئة في قطاع غزة يحقق مطالب حركة الجهاد الإسلامي كاملة، وماذا عن الخضوع «الإسرائيلي» للمطالب؟ مع نظرة تقييمية للنتائج بالمجمل؟
من قطاع غزة جالت صواريخ المقاومة في سماء فلسطين، حيث ثبتت المقاومة رسائل الردع والقوة، للدفاع عن شعبها ومقدساتها، إلا أنّ «الإسرائيليين» أنفسهم اعترفوا بأن ما مرّ على مستوطنات غلاف غزة كان جنونياً، وهذا الاعتراف هو انتصار أولى خطوات المقاومة المحسوبة والمسبوقة الغير مباشرة، لأنّ رشقات الصواريخ لن تهدأ وكان وابلها كالمطر الغزير، بالرغم من الظروف القاسية، كانت لسرايا القدس معادلاتها المستمرة عبر رسم الخطوط الحمراء بالصورة المنطوقة والدقيقة، لما أكدته مصادر خاصة، أنّ لدى الجهاد الإسلامي سلاحاً كاسراً للتوازن قادراً على التأثير الجدي في المعركة، إذ كشف هذا السلاح خيارات التهدئة الأكثر إيلاماً للخضوع «الإسرائيلي»، فكانت نتائجه واضحة بإسقاط العدو «الإسرائيلي» حساباته الخاطئة، من خلال مغامرته نحو حرب بدأها غدراً وسعى لإنهائها خلسة، لأسباب تتعلق بأزمته الداخلية المباشرة منها والمتعلقة بالانتخابات التي كشفت لعبة يائير لابيد الذي كان يحاول تسجيل نقطة في عهدته قبل سحقه، متزامنة مع رسائل عسكرية للولايات المتحدة بأنها إذا عقدت اتفاقاً جديداً مع إيران فهي مستمرة بعدائيتها وستقوم باستهداف الفصائل التي تدعمها إيران في المنطقة ليس فقط في قطاع غزة، فكان جزءاً من الرغبة «الإسرائيلية» بفتح هذه المواجهة ناتجاً عن احتياجات لابيد للانتخابات، لا سيما أنّ نتنياهو يترصّد لهذه الحكومة ويتهمها بقلة الخبرة، وأنها لا تستطيع مجابهة التحديات الفلسطينية العسكرية، فرسالة لابيد جاءت على هذا النحو، بأنه قادر على مواجهة حركة الجهاد الاسلامي باستهدافه قيادات عسكرية، متحسّباً أنه يمكن وصف هذا بالإنجاز وسرعان ما يتجلى هذا في الداخل «الإسرائيلي» وفق حساباته، إذ له انعكاسات ثلاثية الأبعاد، متناسياً بذلك أنّ حرب الاستنزاف التي تقودها المقاومة ضدّهم هي حرب باتت تربك حساباتهم بإجماع الكثير من المراقبين، وبالتالي شدّدت المقاومة على خوض المعركة باقتدار وقوة، تؤكد بذلك أنها لن تسمح للاحتلال بفرض معادلات جديدة على الأرض مهما كان الثمن .
أما في ما يخص الاتفاق على التهدئة في قطاع غزة، وعلى مستوى تحقيق المطالب كاملة وما آلت إليه الانتصارات في هذه المعركة، نعم حققت حركة الجهاد الاسلامي بقيادة الردع العسكري لسرايا القدس انتصاراً مماثلاً لمعركة سيف القدس العام الماضي، وهو عملية مبدأ ربط الجبهات أو الساحات التي كانت تحاول «إسرائيل» تمزيقها شتى بالاستفراد بكلّ جبهة على حدة، ناهيك عن محاولاتها الفاشلة بالانقسام، وهذه إحدى أبرز انتصارات الجهاد في هذه المعركة، وهي توحيد الساحات المتكاملة والمتجذرة في عمق معركة سيف القدس، وأدركت هنا فلسفة القوة للمقاومة بأن تدكّ إسفين المنجزات هذه بعمق الاستراتيجية «الإسرائيلية»، وهذا لصالح فلسطين، مما جعل «إسرائيل» تسارع بالوساطة من أجل الخديعة لتعاقب الجهاد الإسلامي، وفشلت بذلك، لأنها كانت تخوض معركة الوعي والحذر، وشهدنا حراكاً فلسطينياً وعسكرياً، فانصدمت إسرائيل» بتلك المفاجئة، وسارعت إلى اغتيال القائدين تيسير الجعبري وخالد منصور كردّ فعل…
في المقابل بدأت المقاومة مرحلة جديدة لتأديب «الإسرائيلي» على أفعاله العدائية، وانتهى ذلك ببيان مصري ينص على ثلاثة أمور مركزية منها إيقاف كلّ العقوبات التي مورست على غزة بسبب العدوان «الإسرائيلي» إدخال الوقود وفتح المعابر، إضافة لملف الأسرى وهذا مهمّ جداً بالنسبة للمقاومة، وهو ملف الأسرى الإداريين والذين في مقدمتهم الأسير المضرب عن الطعام لمدة أكثر من ١٦٠ يوماً الأسير خليل عواودة وهو من الضفة الغربية، والعمل على إطلاق سراح القيادي بسام السعدي لأنّ القضية هنا قضية كرامة ليس فقط قضية فرد من أفراد القيادة، وربما هناك أوسع من ذلك، ولكن بالمجمل كانت المحصلة التي حققتها حركة الجهاد الإسلامي أنها استطاعت تحقيق الهدف الاستراتيجي واخترقت صواريخ سرايا القدس غلاف غزة ووصل ذلك نحو ٦٥ كيلو متر، ولأول مرة سجلت «إسرائيل» ما يُسمّى بالنزوح الطوعي والقسري للمستوطنين، وطبعاً هنا لا يمكننا المقارنة بين هذه الحرب ومعركة سيف القدس لسبب وجيه وهو إذ لم تلتزم «إسرائيل» بالمطالب، فسوف نتوجه نحو التصعيد وسيُسحق لابيد مثلما سُحق نتنياهو سياسياً وعسكرياً…
وفي ذات السياق، تحدث الإعلام «الإسرائيلي» نقلاً عن مسؤولين «إسرائيليين»، إذ حصل حدث سياسي بفصل حركة الجهاد عن حماس في الميدان، وهذا ربما تحقق بالنيل غدراً، حيث ايضاً هناك تصريحات رسمية لحماس تتحدث عن التوقيت والسرعة والضغط على الجانب «الإسرائيلي» من خلال الوساطة، وهذا ربما ما تخوّفت منه «إسرائيل» وكانت سابقاً مشاهد ميدانية لحماس، وربما ستواجه جبهات أكبر قد تشمل حماس في حال ارتكبت «إسرائيل» أيّ حماقة…
وبالنسبة للجهاد الاسلامي، فقد صمدت لوقت طويل وفرضت شروطها، وهذا حتم على «إسرائيل» الاتفاق على التهدئة، لأنها غير قادرة على الاستمرار، والسبب الأكثر هو خوفها بأن تتحوّل الأمور الى معركة كبرى يتضامن معها فصائل أخرى اوسع وأكبر.
لقد حققت المقاومة انتصاراً ميدانياً وسياسياً وعسكرياً قبل أن تطلق رصاصة واحدة، وهي أنها أوقعت «الإسرائيليين» في مصيدتها، وكانت الأنظمة العربية تشاهد ذلك بأمّ أعينها، فقبل بدء المعركة، استبقت «إسرائيل» الأمور وقامت بإيصال عدة رسائل للأنظمة العربية، واللافت هنا من تصريحات لهؤلاء، إذ لكل منها مشاكلها الداخلية الخاصة بها، مستطردة بقدرات «إسرائيل»، وكانت نتيجة التعاطي أقلّ من عادية، وهذا بسبب انشغال العالم بالصدام الصيني الأميركي والأميركي الروسي، وبالتالي لا توجد أهدافاً بنكية حققتها «إسرائيل» في هذه المعركة، سوى لفت أنظار الدول الكبرى وعلى رأسها الولايات المتحدة لأغراض تتعلق بمواجهة إيران…