قدح وذمّ وخطاب لا وطني دون رقيب أو حسيب (مقالة سجعان قزي بعنوان «سلام على الغاز» نموذجاً)
خضر رسلان
بتاريخ 5/5/2022 قرّر مجلس الوزراء اللبناني الموافقة على طلب شركة «توتال» الفرنسية بتأجيل التنقيب عن النفط والغاز في السواحل اللبنانية، وبالتحديد في البلوك 9، لمدة ثلاث سنوات. وفي الوقت نفسه، ورغم الجدوى الاقتصادية المرجوّة، لم تتقدّم ايّ شركة جديدة لديها قدرة الحفر في المياه العميقة للتنقيب في المياه اللبنانية خلال دورة التراخيص الثانية. وقد أفادت وزارة الطاقة أنه لا يوجد أيّ شركة راغبة بذلك، علماً بأنه تواتر عبر عدة مصادر أنّ الشركات العالمية تخاف من العمل في المياه اللبنانية بسبب وجود رسالة «إسرائيلية» أرسلت الى الأمم المتحدة بتاريخ 23/12/2021 تحذر الشركات من العمل لمصلحة لبنان في البلوكات الجنوبية، بعد ان فتح لبنان دورة التراخيص الثانية.
ولم يتنطح أحد ممن يدّعون الحرص على الدولة، ومن الذين ينبرون ليلاً ونهاراً للحديث السيادي والحرص على لبنان واللبنانيين، للسؤال عن الأسباب التي تمنع الدولة اللبنانية من التنقيب عن النفط في حقوله غير المتنازع عليها؟ ومَن الذي فرض عليها قرار التأجيل؟ ومن يمنعها من إلزام او تلزيم الشركات بالتنقيب في الحقول التي لا يوجد نزاع عليها؟ هذه الأسئلة لم يتجرّأ أحد ممن يميّعون الحقائق على طرحها أو الاقتراب ولو همساً أو الحديث عنها، لأنهم يعلمون كما يعلم القاصي والداني أنّ التأخير في استخراج الغاز، تقف خلفه واشنطن بشخص هوكشتاين الذي مارس الضغوط على الشركات ومنعها من المباشرة باستخراج الغاز قبل بدء العدو «الإسرائيلي» باستخراجه.
وفي الوقت الذي اطلع فيه المسؤولون اللبنانيون كما الرأي العام اللبناني كله على موقف المقاومة الصريح والواضح بأنها تقف خلف الدولة في موضوع الترسيم، وأنها لن تكون جزءاً من الترسيم ولا من مفاوضات الترسيم، وعندما تقرّر الدولة أين حدودها يصبح واجباً على كلّ اللبنانيين بمن فيهم المقاومة الدفاع عن ثرواتهم ووجودهم.
هذا في الوقت الذي لم تخدش مشاعر ما يسمّى السياديين تصريحات الموفدِ الأميركي، آموس هوكشتاين، الذي نَــبّه الدولةَ اللبنانيّةَ إلى عاقِبةِ قَبولِ هِبةِ الفيول الإيراني، وتراهم صامتين صمت أهل القبور عن التعليق او الإشارة إلى انعكاسات وتردّدات الڤيتو الاميركي المتواصل على استجرار الكهرباء المصرية ما يمكن له ولو جزئياً ان يخفف الأعباء عن كاهل كلّ الشعب اللبناني.
ومع ذلك كلّه يأتي القيادي السابق في حزب الكتائب والمقرب جداً من بكركي والوزير السابق سجعان قزي وينشر محضر اتهام ضدّ المقاومة في جريدة «النهار» في الخامس من آب الحالي وهو اتهام خطير في توقيته ودلالاته، ويستحق أن يصنّف بحدّه الأدنى أنه قدح وذمّ وافتراء ويساهم في ازدياد الشرخ الوطني بين اللبنانيين، خاصة أنّ هذه الشخصية محسوبة بشكل جلي وواضح على بكركي التي استضافت منذ فترة مجموعة أشخاص رفعوا شعارات في أروقة الصرح البطريركي ينعتون بها حزب الله بالإرهاب دون ان يجدوا صداً او حتى لفت نظر في موقف معطوف على هذه الافتراءات التي مزجت بين اتهام حزب الله بأنه يَحرِصُ على توظيفِ الاتفاقِ اللبنانيّ ـ «الإسرائيليِ» في خانةِ إيران لتُوظِّفَه بدورِها في مفاوضاتِها مع أميركا، وأنّ ما يَهُمُّ حزبَ الله هو إظهارُ سلاحِه بأنّه صانعُ الحربِ والسلامِ، في موقف يعزز الحاجة الى إعادة قراءة أسس العلاقة الوطنية بين مكونات الشعب اللبناني… ويجنح الوزير السابق سجعان قزي بعيداً في التخوين بنوايا المقاومة عندما يطالب الدولة اللبنانيّةُ قبل أن تُوقِّعَ معاهدةَ ترسيمِ الحدودِ البحريّةِ مع «إسرائيل» بقوله حريٌّ بها أن تُطْلعَ الشعبَ اللبنانيَّ على أين سيَذهبُ مردودُ الطاقةِ المستخرَجةِ من هذه الآبارِ الجنوبيّة؟ وبكلامٍ أوضحَ، يقول إننا نخشى! أن يعتبرَ حزبُ الله أنَّ له حقاً مناطقيّاً مكتسَباً في ثرواتِ الجَنوب، أكانت بريّةً أم بحريّة، فيسعى إلى اقتطاعِ حِصّةٍ من المنشأ…
ويختم الوزير السيادي مشيداّ بالضمانات الأميركية، وبمتابعة هجومه على شريكه في الوطن وتحويل الصراع الحدودي مع الكيان المحتلّ الى صراعات داخلية لبنانية، حينما يتساءل بالقول إذا كانت الولاياتُ المتّحدةُ الأميركيّةُ ترعى وتَضمَنُ أيَّ اتّفاقٍ يَتمُّ التوصّلُ إليه مع «إسرائيل»، فأيُّ مرجِعيّةٍ تَستطيع أن تَرعى المفاوضاتِ بين الدولةِ اللبنانيّةِ وحزبِ الله وتَكفَلُ تطبيقَها؟
مقالة تحمل في طياتها مفردات وسياقات خطيرة جداً، والأخطر منها إنْ كانت بمضمونها تتخطى وجهة نظر الكاتب الى الجهة التي يتواتر أنه يمثلها ومحسوب عليها، وعند ذلك تصبح الحاجة ملحة جداً الى إعادة قراءة وطنية شاملة تتخطى منظومة القوانين الحاكمة الى مفاهيم قيمية جامعة تقوم على الشراكة الوطنية الحقيقية في القول والفعل.