ماذا بين جنبلاط وحزب الله؟
ناصر قنديل
لا يحتاج وليد جنبلاط إلى اتباع قواعد واعتماد دليل لفهم حزب الله، فيصعب أن يكون لدى حزب الله في التوجهات والسياسات ما هو خفيّ، أو عرضة للتغيير، حتى لو كانت التكتيكات والمواقف السياسيّة محاطة في الاستحقاقات والمحطات الفاصلة بما يسمّيه الحزب بالغموض البناء فيتسبب بالحيرة لأقرب المقرّبين، بما لا يحتاج جنبلاط لبذل جهد ضائع لفهمه، لكن حزب الله الذي تعرّف على جنبلاط فوق وتحت ونص نص، وتفاعل معه وتخاصم وتصالح ونسّق وواجه، باتت لديه هيكلية ذهنية كاملة لقراءة الشيفرات الجنبلاطيّة، وهو يملك عند الحاجة فرصة الاستعانة بصديق يعرف وجهة جنبلاط قبل أن يعرفها صاحبها، هو رئيس مجلس النواب نبيه بري الذي بشر بين المقرّبين من حوله بتغييرات جنبلاطيّة مع اكتمال مرور ستة شهور على الانتخابات النيابية، والشهور الستة لم تكتمل، وقد بدأت الملامح التي يتحيّر فيها كثيرون، ويؤلفون حولها حكايات وروايات ويضعون لها فرضيّات.
أغلب العيون تبحث عن لغز رئاسيّ في الموقف الجنبلاطيّ، وفي لقاء جنبلاط وقيادة حزب الله، وأغلب التحليلات الأشد عمقاً تربط موقف جنبلاط بالقلق، سواء السياسيّ مع توريث نجله تيمور، أو الوجودي مع التغيير الديمغرافي الذي لا مفرّ من نتائجه السياسيّة في الجبل، في ظل قناعته يتحدث عنها جنبلاط في مجالسه حول تقاسم التمثيل السياسيّ للمسيحيّين بين تطرفين، واحد عقائدي تمثله القوات وآخر سياسي يمثله التيار الوطني الحر، وجنبلاط لم يخفِ في تصريحاته ومواقفه رغبته برؤية رئيس وسطيّ من خارج نادي ما يسمّى بـ المرشحين الأقوياء، ولا يكتم في أوساطه قناعته بأن خيار الجبل الدرزيّ هو بين مشروعين للتحالف، واحد مسيحيّ غير متاح بجناحيه، وآخر إسلاميّ باتت وجهته الحصريّة شيعيّة مع انسحاب الرئيس سعد الحريري من المشهد، وهو يملك جسراً جاهزاً من نصف الضفة الشيعية التي يمثلها الرئيس بري، وعليه استكمال نصف الجسر مع نصف الضفة الثانيّ الذي يمثله حزب الله.
بالنسبة للقراءة الجنبلاطيّة، ثمة تغيير جوهري في موازين القوى بين المقاومة و”إسرائيل” تكررت استحقاقات تؤكد تظهيره، من جهة، فلم تعد مواقف حزب الله ولا مسَيّراته نحو حقول النفط والغاز ربطاً للبنان بحرب أوكرانيا، وباتت مصادر قوة يمكن الاستفادة منها أو تجب الاستفادة منها، ومن جهة مقابلة، هناك توازن قوى جديد بين محور دوليّ يواجه السياسات الأميركية وجبهة متهالكة تدافع عنها، مقابل ظهور مواقع ثالثة تتموضع على حسابات المصالح، كحال السعودية وتركيا خصوصاً، ويستطيع لبنان ومن خلاله جنبلاط التأقلم مع هذه التموضعات والاحتماء بها، فالسعوديّة التي تحاور إيران لا تستطيع أن تعاتب جنبلاط عندما يحاور حزب الله.
بالنسبة لحزب الله تمثل الحركة الجنبلاطيّة إعلاناً واضحاً بسقوط مرحلة كاملة، كان جنبلاط محوراً فاعلاً فيها، عنوانها تحشيد القوى في حرب شاملة على حزب الله، وشيطنته وتصويره سبباً لكل أزمات لبنان ومصائبه، وتوهم إمكانية عزله أو إضعافه، وقيمة قرار الحوار أنه يختزن موقفاً يقول إن حزب الله هو قوة سياسية فاعلة في لبنان لا يمكن عزلها ولا تجاوز حضورها، ولا بدّ من الحوار معها لرسم خطوط التفاهم وخطوط الخلاف، وهذا كافٍ لحزب الله لطيّ صفحة مواجهة باتت تفتقد القوى التي تمارس عناد التمسك بها لحضور كافٍ دون جنبلاط لمنحها تأثيراً وازناً، وهذا أكثر من كافٍ بالنسبة لحزب الله، في استقراء هادئ لمسار الأمور في الشهور المقبلة، التي لا يرسم لها سقوفاً جاهزة، وينفتح خلالها على مقاربة الوقائع بالوقائع.
كسر الجليد وإعلان افتتاح المرحلة الجديدة، وبناء الجسور بالنسبة لجنبلاط، وإغلاق صفحة المواجهة بالنسبة لحزب الله، هدفان يستحقان اللقاء، لأن التواصل ستكون أمامه قضايا لجدول أعمال عمليّ، مثل هبة الفيول الإيراني، وتشريعات الكابيتال كونترول، والموازنة العامة للدولة، وعندما يحين أوان البحث الرئاسيّ الذي يأخذ بالاعتبار الحسابات الجنبلاطية، وربما بعد الموعد المرتقب، دون أن يشكل تجاوز الموعد إيذاناً بالفراغ، سيكون الصديق المشترك حاضراً على السمع لخياطة القطبة المخفية، التي تكون قد تبلورت مع الحلفاء وباتت جاهزة لإضافة اللون التوافقيّ الذي يمثله الخيط الجنبلاطيّ.