أخيرة

دبوس

القيمة الميتافيزيقية في الحرب

 

 

لقد أفرد المفكر الاستراتيجي الفرنسي أندريه بوڤر كتاباً كاملاً للتحدث عن الميتافيزيقيا في الحرب، أو البعد اللامادي في الحرب، فالحرب ليست فقط قعقعة سلاح وكمية نيران ومقدرة ميكانيكية وتكنولوجية، هنالك قيم أخرى ليست مادية، هنالك الذكاء والقيم المعنوية، وهنالك المشروعية أيضاً، فحرب بلا مشروعية تصبح عدواناً آثماً قد يحقق إنجازات آنية، ولكن مآله المطلق هو الاندثار حالما يلملم الطرف الآخر ذاته ويستجمع قواه ويطلق كلّ مقدراته المادية والمعنوية، وفوق كلّ ذلك المشروعية يطلقها من عقالها.

يتحدث المؤرّخ العسكري الإنجليزي اللامع ب. ه. ليدل هارت في كتابه الاستراتيجية وتاريخها في العالم عن القائد العسكري الروماني بيليزير، والذي لم يخسر أيّاً من معاركه على الإطلاق سوى معركة واحدة تمكّن خلالها من إطباق حصار صارم ضدّ القوات المعادية، ثم بادر بإصدار تعليماته لجنرالاته بفتح ثغرة في ذلك الحصار لتتمكن القوات المعادية من الهرب خلال هذه الثغرة، رغبة الفتك بالعدو والانتقام كانت هي الطاغية لدى جنرالاته، وبالتالي لم ينفّذ الأمر، بالعكس قاموا بمحاولة للإطباق الكلي على القوات المعادية وإبادتها، ترتب على ذلك انّ تلك القوات قاتلت بشراسة منقطعة النظير دفاعاً عن وجودها مما أدّى الى هزيمة قوات بيليزير في هذه المعركة، وأطلق بعد ذلك مقولته الشهيرة، لماذا نصرّ بعنادٍ على سحق عدو منهزم، فنعطيه بذلك شجاعة اليائس؟

خلاصة ذلك أنه بالقدر الذي يكتسب التسليح والتكنولوجيا المتطورة وكمية النيران والوسائط اللوجستية والقدرة على الحركة المباغتة، بالقدر الذي يحظى الذكاء الفطري والقوة المعنوية ووازع المشروعية بأهمية بالغة في الحرب لا تقلّ أهمية عن عنصر الكفاءة المادية، وفي نهاية الأمر، كلّ تكنولوجيا العالم وكلّ التميّز الميكانيكي وكلّ كمية النيران لن تجدي نفعاً إذا كان المقاتل غير راغب في القتال. وحريّ بنا ان نخوض غمار الحرب السيكولوجية مع العدو على أساس تبنّي فلسفة تزرع في نفوس العدو تصوّراً راسخاً بأنهم لا يمكن ان يكسبوا الحرب، ومن ثم فلا جدوى من السعي إلى خوضها، وإذا وصلنا الى هذه النقطة من خلال الحشد العارم على كلّ الجبهات، وكذلك في الداخل ومن خلال الإلحاح الإعلامي بأنّ التصميم على استعادة الحق بالكليّة هو هدف غير قابل للمساومة، وأنّ أحداً لا يستطيع كبح جماح هذا التطلّع الذي من باب أولى أن يتحقق بالأسلوب الليّن وبالتسليم المطلق بالحقوق والعودة الى الدياسبورا حيث تنتمون، وإلّا فإنّ المشاعر المفعَمة بالكراهية وبالرغبة بالانتقام لا يستطيع أيّ كان الوقوف في وجهها.

سميح التايه

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى