التعليق السياسي
مأساة أساتذة الجامعة اللبنانيّة
– كل موظفي الدولة يشكلون طبقة ضعيفة مستضعفة، بعد ما نالهم ما نالهم من نصيب سرقة الودائع بالليرة اللبنانيّة، لما سحبوا تعويضاتهم بصورة مبكرة وحوّلوها الى ودائع طلباً للأمان، ونالهم ما نالهم من انهيار القدرة الشرائيّة لليرة اللبنانية، فتبخّرت قيمة رواتبهم، وبدأوا يعانون فقدان أبسط مقوّمات العيش الكريم البسيط، وأذلتهم طوابير الانتظار أمام محطات البنزين وأفران الخبز، وصار الراتب أقلّ من فاتورة مولد الكهرباء شهرياً، ويتساوى في ذلك الأساتذة والقضاة والعسكريين والضباط في كل الأسلاك، وموظفو الإدارات العامة. وتحولت الوظيفة في الدولة من مصدر للشعور بالأمان إلى سبب للقلق على الغد، ومصدر للشقاء، والشعور بالعجز تجاه تأمين أولويات العيش ورعاية مستقبل الأولاد.
– الترقيع الذي تعتمده الدولة ومؤسسات الحكم فيها، رغم مرور ثلاث سنوات على بدء الأزمة يعكس قلة احترام المسؤولين لمعنى الحياة والمسؤولية، وارتباكهم لارتباطات خفية تريد محاباة المصارف وحمايتها من الشراكة في تحمل تبعات الأزمة، التي تشكل عقدة إقرار أية خطة للتعافي الاقتصادي وأي اتفاق مع صندوق النقد الدولي، وصولا لتبني بعض المسؤولين لسياسات تريد تبني أشدّ المعايير الليبراليّة توحشاً بالتشارك مع مصرف لبنان في صناعة الأزمات لفرض رفع كل أشكال الدعم كأمر واقع كما جرى في تسعير المحروقات ويراد له أن يجري في تسعير الخبز وكل أنواع الدواء.
– الأساتذة في كل مستويات التعليم يشكلون عصب الموظفين والكتلة الأكبر بينهم، بالتوازي مع موظفي الأسلاك العسكرية والأمنية، لكن الأساتذة شكلوا دون سواهم نواة العمل السياسي منذ الستينيات، وكانوا مصدر ضخ نخب ثقافية وحزبية نهضت بالحياة السياسية اللبنانية، وشكل أساتذة الجامعة اللبنانية بينهم نواة الطبقة الوسطى التي كانت القوة الحاملة والبيئة الحاضنة للتفكير السياسي والنهوض الثقافي، وكل مظاهر الانتعاش الثقافي والفكري التي عرفها لبنان في الستينيات والسبعينيات، وعادوا إلى لعب هذا الدور منذ نهاية الحرب الأهليّة.
– ما يعيشه أساتذة الجامعة اللبنانية بالمقارنة مع سائر مكونات الطبقة الوسطى من مهندسين وأطباء ومحامين، يجعل منهم العلامة الأوضح على انهيار الطبقة الوسطى، بتحول أساتذة الجامعة اللبنانية الى فقراء بكل ما تعني الكلمة، فصاحب راتب الستة ملايين ليرة، التي كانت تساوي أربعة آلاف دولار، وصارت تعادل مئتي دولار، لا يملك كأصحاب المهن الحرة القدرة على تعديل بدل أتعابه بالتناسب ولو جزئياً مع تغيرات سعر الصرف، وهو لا يتقن ممارسة مهنة أخرى، وليس له إلا أن يضيف الى لقب أستاذ جامعي، سائق سيارة أجرة أو بائع عربة خضار، في صورة تعكس مأساة لا يمكن لأحد تخيل معناها وآلامها، وفقها الشعور بالعجز المطلق أمام تطلعات الأبناء والبنات الذين كانوا يبنون آمالهم على ما يتباهون به من علم الآباء والأمهات.
– المؤلم أكثر هو اللامبالاة التي يواجه بها واقع أساتذة الجامعة اللبنانية، والاستهتار الذي يُبديه المسؤولون في الدولة، وجوابهم التقليدي، البلد كله في أزمة، والعبارة الشهيرة لرئيس الحكومة، “بدنا نتحمل بعض”، والحد الأدنى المطلوب هو مضاعفة رواتب أساتذة الجامعة ثماني مرات، لتوفير قرابة 40% من قيمة الراتب الذي كانوا يتقاضونه قبل ثلاث سنوات، فهل هذا كثير؟