يوم انتصار لبنان المقاوم «مقاوم يوماً… مقاوم دوماً»
معن بشور
في رحلتي الأخيرة إلى الجزائر، قبل جائحة كورونا، استقبلني في المطار القائد الميداني البارز في ثورة الجزائر الرائد سي لخضر بورقعة (رحمه الله) ومعه صديقه الدائم الحاج عبد الكريم رزقي أحد أبطال أسطول الحرية وعضو الأمانة العامة للمؤتمر القومي العربي، وكذلك أركان حركة البناء الوطني في الجزائر الذين كنت ألبّي دعوتهم كما كلّ عام، للمشاركة في ندوة «الشيخين» في ذكرى الفاتح من نوفمبر، ذكرى انطلاقة الثورة الجزائرية عام 1954.
بعد السلام والكلام، بادرني الراحل بورقعة الذي اختطفته من بيننا جائحة كورونا بالسؤال: ما أخبار المقاومة عندكم، ما أخبار حزب الله؟
تطلّع إليّ صديقه كريم رزقي قائلاً: لا تستغرب هذا السؤال، فهو على لسان كلّ الجزائريين وشعارهم «مقاوم يوماً… مقاوم دوماً»، فهم يعرفون تماماً معنى مقاومة المحتلّ وكلفتها، وقد دفعوا أبهض الأثمان على طريق تحرير بلادهم.
أعجبتني كلمة «مقاوم يوماً… مقاوم دوماً»، ومرّت بخاطري صور عدّة لمقاومين أبطال في أمّتنا والعالم، تصرّفوا دوماً وفقاً لهذا الشعار.
تذكّرت صوراً لمجاهدين كبار من جميع أقطارنا العربيّة، كما من كلّ حركات التحرّر في العالم، ورأيت كيف أنّ حياتهم كلها تجسيد لهذه المقولة الخالدة «مقاوم يوماً… مقاوم أبداً».
بل تذكّرت كيف عشنا مع ثلّة من رفاقي منذ الطفولة. فالفتوة والشباب والكهولة. هذه المقولة حيث لم تكن المقاومة بالنسبة لنا خياراً حزبياً أو جهوياً أو فئوياً، بل كانت دوماً خياراً وطنياً وقومياً وأخلاقياً.
كانت خياراً وطنياً بمعنى أنها تمثّل سياج الوطن الذي تحوّل دون استباحته أو احتلاله أو الهيمنة عليه من قبل الطامعين فيه.
وكانت خياراً قومياً بمعنى أنها كانت فرصة لوحدة الأمّة بوجه أعدائها الصهاينة والمستعمرين، سواء في المغرب العربي، لا سيّما في الجزائر في خمسينيات القرن الفائت، وفي مصر بقيادة جمال عبد الناصر بمواجهة العدوان الثلاثيّ، وفي سورية بقيادة القوى الوحدوية، وفي مقدمها البعث، في مواجهة الأحلاف والمشاريع الاستعمارية وصولاً إلى الحرب الكونيّة، وفي العراق بوجه حلف بغداد ثم بوجه الحصار والحرب والاحتلال عام 2003، وفي اليمن بوجه التخلّف والظلامية في سبتمبر 1962، والاستعمار والتجزئة عام 1963، ثم بوجه الحرب عليها وفيها منذ 7 سنوات، وفي لبنان، حيث انتصرت عين المقاومة على مخرز الاحتلال في بيروت وصيدا وجبل عامل والشوف والبقاع الغربي منذ عام 1982 حتى عام 2000، وصولاً إلى مثل هذه الأيام عام 2006، بل في السودان والأردن والخليج والجزيرة العربية، ودائماً وأبداً في فلسطين التي لم يلق أبناؤها السلاح يوماً منذ أن أطلّ عليهم المشروع الصهيونيّ محمولاً على عربة الانتداب البريطاني..
ودائماً وبوجه كل مقاومة كان أعداؤنا يحاولون التحريض عليها بشتى الوسائل مستخدمين تارة العصبيات الإثنيّة وطوراً الطائفية والمذهبية والفئوية والجهوية، ولكن أحرار الأمّة كانوا يدركون أنّ مقاومة المحتلّ ومشاريعه هي خيار أخلاقي إيماني ينتصر للحق بوجه الباطل، وللعدل بوجه الظلم، وللحرية بوجه الاستعباد، وبالتالي فالموقف منها هو معيار وطنيّة كلّ وطني، وعروبة كلّ عربي، وإيمان كلّ مؤمن، وإنسانية كلّ إنسان.
وحين واجه الجزائريّون، ومعهم أخوانهم في المغرب العربي الاستعمار الفرنسي، لم تسأل الأمّة يوماً إلى أيّ جماعة إثنية ينتمي المقاومون، وحين قاوم المصريون الاستعمار والعدوان لم تسأل الأمّة إلى أيّة طائفة ينتمي المناضلون المصريون، وفي سورية وعلى مدى العقود، لم تعرف الأمّة في سورية ديانة وانتماء أيّ مجاهد بوجه الاستعمار والاحتلال ومشاريعهما، وطبعاً لم يميّز العرب يوماً بين أهمية الدفاع عن الأقصى والدفاع عن القيامة، بين المعركة في غزّة أو في الضفة أو في القدس، أو في الداخل الفلسطينيّ، وبالطبع لم تميّز الأمّة يوماً بين زيدي وشافعي في يمن ثار شعبه على التخلف والظلام موحداً وحرّر أرضه موحداً، في لبنان لا ننسى كيف رفع أبناء الأمّة من المحيط إلى الخليج، لا سيّما في الأزهر الشريف في القاهرة، صور السيد حسن نصر الله جنباً إلى جنب مع صور القائد الخالد الذكر جمال عبد الناصر، وكيف أنّ أغلب المدافعين عن المقاومة العراقيّة التي شهدتها الفلوجة والرمادي والموصل وبغداد هم أنفسهم الذين دافعوا عن المقاومة اللبنانيّة في بنت جبيل ومارون الراس وسهل الخيام…
في يوم انتصار لبنان المقاوم بشعبه وجيشه ومقاومته على العدوان الصهيونيّ في 14/8/2006، لا بدّ أن نؤكّد «المقاوم يوماً مقاوم دوماً»، ومقاومة الاحتلال في أيّ أرض هي مقاومة للاحتلال في كلّ أرض، ففي الانتصار للمقاومة لا تصحّ ازدواجيّة المعايير أياً كانت.