ماذا تريد تركيا من سورية؟
عمر عبد القادر غندور*
السؤال المطروح دائماً: ماذا تريد تركيا من سورية؟
العالم يفهم أنّ الولايات المتحدة المتواجدة عسكرياً في أكثر من بقعة في سورية تريد محاصرة الدولة السورية بعدما فشلت الحرب الكونية عليها، ويقوم ٨٠٠ جندي أميركي بتقديم الخدمات للميليشيات الكردية التي تسيطر على خمس الأراضي السورية، بينما التواجد التركي في شمال سورية هو الأكبر في دولة عربية منذ انهيار الامبراطورية العثمانية.
وقد أدّت الحرب على سورية الى تقسيم الشمال السوري الى ثلاث مناطق شبه مستقلة!
وفي الشمال الشرقي لسورية حال الوجود التركي منذ عام ٢٠١٢ دون إقامة دويلة يهيمن عليها الحزب الكردستاني، لكنها رغم توغلها العسكري لم تستطع كبح المشروع الكردي، وما زالت “قسد” تفرض وجودها العسكري بدعم الولايات المتحدة.
وتخضع منطقة الشمال السوري لتركيا التي تتحكم بمنطقة إدلب بوجود “هيئة تحرير الشام” المرتبطة اجتماعياً واقتصادياً بمحافظات حدودية تركية خاضعة للدولة التركية. ومكّنت سياسات تركيا الحدودية أنقرة من حماية حدودها من خلال جدار فاصل وإدارة المعابر الحدودية. وكلّ يوم يهدّد الرئيس التركي أردوغان بفرض منطقة آمنة بعرض ٣٠ كلم على طول حدودها ويهدّد المرة تلو المرة بعملية تطهير في كلّ من تل رفعت ومنبج، في ظلّ تردّد أنباء عن انسحاب جزئي للقوات الروسية من مناطق في الشمال السوري.
وتقول روسيا إنّ الأمر لا يدلّ على تغيير استراتيجي في انتشارها وبالتأكيد ليس بداية لانسحابها من هناك، وتمضي وسائل إعلام تركية ترديد ما مفاده انّ تركيا اكتملت استعداداتها بنسبة ٩٠% للعملية المنتظرة في عين العرب وكوباني وإذا حصل هذا الغزو فهذا يعني سيطرة تركيا؟
وترى أنقرة من الممكن أن يكون موضوع تسوية بينها وبين موسكو رغم أنّ الروس يقولون بأهمية منبج بالنسبة لهم، لأن فيها الطريق السريع M4 الذي يعبر المدينة التي تربط اللاذقية وحلب. وممكن أن يغضّ الغرب الطرف عن استيلاء تركيا على تل رفعت، ولكن تبقى منبج تنعم بحماية أميركية على الرغم من عدم وجود عسكري فيها. وحذر في وقت سابق وزير الخارجية الأميركي أنطوني بلينكن تركيا من انّ أيّ هجوم عسكري على سورية سيعرّض المنطقة للخطر. وترى تركيا انّ العملية في سورية يمكن ان تتيح لها اختبار ردّ فعل واشنطن والعواصم الأوروبية للحوار بشأن مطالبها… وخصوصاً أنّ تركيا بدأت إعادة علاقاتها مع الدول الخليجية لا سيما السعودية التي يهمّها محور سني ضدّ إيران في سورية والعراق واليمن ولبنان…
وتقول إيران أنها تتفهّم موقف أنقرة من “قسد” لكنها تقف ضدّ أيّ توسع تركي في الشمال السوري، ولطالما عرضت روسيا على تركيا المفاوضة والحوار مع الدولة السورية لأنه لا يمكن التوصل الى حلّ إلا إذا توصّلت تركيا وسورية وحلفاؤهما الى تفاهم بخصوص المناطق الحدودية لأنّ الشمال السوري يشكل معضلة ديموغرافية لا يمكن حلها بالتدخلات العسكرية. وتريد أنقرة القضاء على فكرة الحكم الذاتي الكردي المدعوم من الغرب، وبالتالي الحصول على منطقة آمنة تعيد إليها اللاجئين السوريين الذين يبلغ عددهم ثلاثة ملايين يعيش ٣٠٠ ألف منهم على الحدود والباقون في سائر المدن التركية، والأمر الأهمّ لأردوغان وحكومته انّ اللاجئين السوريين باتوا نقطة استقطاب في يد المعارضة التي تستخدمها إعلامياً وسياسياً ضدّ أردوغان .
وثمة من يقول إنّ واشنطن وموسكو لا ترفضان منطقة آمنة للحدود التركية، إلا أنّ الخلاف كان ولا يزال على عرض الحزام الذي تريده تركيا ٣٠ كلم في عمق دولة ذات سيادة وهو ما يصبح احتلالاً للشمال السوري وهذا غير مقبول لدى جميع القوى الدولية والإقليمية، خاصة أنّ تركيا تريد تغيير التركيبة العسكرية وانتماءات الناس العقائدية، وبالتالي تريد إبقاء التنظيمات المؤيدة لها في منطقة حلب، لا سيما انّ تركيا تُدرّس اللغة التركية كلغة ثانية للاجئين السوريين والعملة المتداولة هي الليرة التركية بالإضافة الى تدريب ٥٠ ألف مقاتل سوري تدفع لهم رواتبهم، كما أنها بنَت قواعد عسكرية، وحرصها على تغيير هوية النسيج الاجتماعي، وتتخوّف تركيا من فترة سيطرة “قسد” على المناطق المتواجدة فيها والحماية الأميركية لها.
كلّ هذه المعطيات، لا بل هذه الأحلام جزء من المطامع التركية بالتراب السوري، ولا يزال تصريح وزير الداخلية التركي سليمان صويلو يداعب الأحلام عندما قال عام ٢٠١٩ “إنّ الشمال السوري هو جزء من الوطن التركي وفقاً لميثاق ميلو ١٩٢٠”.
ويقول جاويش أوغلو: “يجب تطهير سورية من التنظيمات التي تهدّد وحدة أراضيها، ونشدّد على وحدة الأراضي السورية، وعندما تبدأ عمليتنا سنرى من يدعم العملية التركية ومن سيقف ضدها”.
وثمة من يسأل جاويش أوغلو: هل تطهير سورية من التنظيمات التي تهدّد الوطن التركي من بينها التنظيمات الإرهابية الخارجة على الدولة السوري ومن بينها حركة تحرير الشام والتنظيمات التكفيرية والجبهة الوطنية للتحرير والجيش الحر؟
وعندما زار وزير الخارجية الروسي سيرغي لافروف تركيا الشهر الماضي لإجراء محادثات مع نظيره التركي حول مشروع إنشاء ممرّ بحري لتسهيل عبور صادرات أوكرانيا من القمح والحبوب كانت الخطط التركية لشنّ عملية جديدة ضدّ الوحدات الكردية حاضرة على الطاولة بقوة، وعلى الرغم من انّ الزيارة لم تخرج بموقف روسي واضح من العملية التركية، باستثناء ما أكده لافروف مراعاة هواجس تركيا الأمنية. لكنه قال بعد ذلك انّ الكرملين يعارض ايّ هجوم تركي جديد محذراً من أنه سيؤدّي الى تصعيد الموقف وزعزعة الاستقرار.
والروس يدركون ان الاتراك يلعبون على تناقضات المواقف كالموافقة على انضمام فنلندا والسويد الى حلف الناتو وهو ما يزعج الروس، لكنهم في نفس الوقت لم ينخرطوا في العقوبات الأميركية الغربية على روسيا وأبقت تركيا مجالها الجوي مفتوحاً أمام الروس، ودون ان تغفل عن السيطرة على حدودها مع سورية بعمق ٣٠ كلم، ومراعاة دول الخليج العربي من موقفهم مع سورية، واختبار الموقف الروسي من الهجوم المزمع في الشمال السوري، وهو ما أشرنا إليه في معرض استعراض الموقف.
وفي جديد المستجدات ما قالته قوات سورية الديمقراطية في الساعات الأخيرة انه لا تغيير في الخارطة العسكرية والتوزيع العسكري الميداني على جانبي الحدود السورية التركية بما في ذلك تحركات الجيش التركي الذي سينقل عنوة عدداً كبيراً من اللاجئين السوريين الى الأراضي السورية في خلال الساعات المقبلة، وانّ القوات الكردية تدرس مستوى التهديدات.
وفي وقت سابق شنّ الجيش التركي قصفاً كثيفاً على مواقع سورية الديمقراطية في تل رفعت وعين العرب ومنبج شمال محافظة إدلب…
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
*رئيس اللقاء الإسلامي الوحدوي